بعد ولادة السلطة الفلسطينية على الأرض، داخل وطنها، عادت كتائب وأجهزة ومؤسسات منظمة التحرير الى فلسطين، بفعل اتفاق أوسلو التدريجي متعدد المراحل، ومنهم السفير السابق أبو هشام سميح عبد الفتاح الذي تولى مهام مستشار الأمن الوطني للرئيس محمود عباس، وفي احدى جلسات العمل مع بعض القيادات الأمنية الاسرائيلية، وفي سياق ما هو معروف عنه، أنه صاحب نكتة لاذعة، ويقول ما يشاء، ويبعث رسائله الجدية، عبر النكتة والسماحة والذكاء الخارق شافاه الله وأطال في عمره، قال لهم « ونحن في المنفى قبل أن نعود الى بلادنا، كنا نلتقي معكم في اطار التصادم والصراع والملاحقة، كنا نتوهم أنكم دولة قوية متماسكة نموذجية، ولكن بعد أن عُدنا وتعرفنا عليكم وعلى دواخلكم، تغيرت الصورة عندنا، وتغيرت الانطباعات عنكم، فأنتم مثلنا، مثل بلدان في العالم الثالث المتخلف، الفساد والرشوة ضاربة أطنابها عندكم وبينكم «.
ونتنياهو زعيم الليكود القوي ورئيس وزراء حكومة المستعمرة الاسرائيلية نموذج للفساد والتحكم الذي قصده ابو هشام، لا يتردد في استعمال كل الأسلحة الفاسدة للبقاء في السلطة واستثمارها وتوظيفها خدمة لأغراضه وسياساته وبرامجه، فها هو متهم بأربعة ملفات مفتوحة لأربعة قضايا، أثبتت الشرطة اعتماداً على شهود موثوقين صحة الاتهامات وأوصت بمحاكمته بثلاث ملفات لثلاثة قضايا بدون تبرئته من الملف الرابع الذي مازال في طور التحقيق، ومع ذلك لا يتصرف كمسؤول يحترم القانون، بل يواصل التمسك بموقعه السياسي، ويستغل نفوذه للتهرب من المحاكمة عبر تغيير شخوص الوظائف، بدءاً من مدير الشرطة الذي انتهت ولايته الى قضاة المحاكم، الى ربط الانتخابات بفترات محددة تسمح له بالترشح مرة أخرى الى محاولة التأثير على النائب العام، بهدف تبديد المحاكمة وازالتها من ذهن الناس ومتابعاتهم، وعدم الرضوخ لتوصية الشرطة.
نتنياهو متهم : 1 – بالرشوة و 2- الاحتيال، و3 – استغلال الثقة، عبر ملفات القضايا التي وثقتها الشرطة وباتت ملزمة لتقديمه للمحاكمة، ومع ذلك يرفض الانصياع، مثل أي بلطجي، الأمر الذي يضع مؤسسات المستعمرة الاسرائيلية أمام التحدي على المحك، وهل تستطيع انزاله بقوة القانون والملاحقة القضائية، أم أن المستشار القضائي سيبدد القرار ويجد له مخرجاً لأن نتنياهو صاحب الفضل عليه بتعينه ؟؟.
المشكلة لدى المستعمرة الاسرائيلية وعندها، أنه محظي بسببها لأن المعارضة ضعيفة أمامه، فقوة اليمين الاسرائيلي المتطرف تقف الى جانبه لأنه يسير وفق برنامج الضم التدريجي لما تبقى من فلسطين، والعمل على تهويدها وأسرلتها باستثناء قطاع غزة الفقير المحاصر، ولذلك تنظر المعارضة اليمينية المتطرفة لأهمية بقائه وتنفيذ برنامجها من خلاله كونه متفقاً معها في ابتلاع ما تبقى من فلسطين، أهم من محاكمته وادانته والتخلص منه بالرشوة والاحتيال واستغلال الوظيفة.
المعارضة الرسمية بقيادة لفني، مع اليسار الصهيوني ميرتس، ومع القائمة البرلمانية المشتركة الممثلة للفلسطينيين في مناطق 48 لا تملك القدرة للاطاحة به، ولذلك ستبقى مناوراته في اطار اليمين واليمين المتطرف ويلعب معهم ويقودهم، بلا وازع من ضمير أو حس بالمسؤولية، في ذروة النشوة التي يعيشها أمام الانقسام الفلسطيني المهداة له مجاناً من قبل طرفي المعادلة الفلسطينية فتح وحماس، وفي ظل الحروب البينية العربية التي تعتمد بعض أدواتها على التعامل والتطبيع مع العدو بدون أي اعتبار على أنه العدو الوطني والقومي والديني للعرب وللمسلمين وللمسيحيين وأنه يحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية.
العوامل المحيطة بنتنياهو تصب لصالحه وتجري في مجرى يخدم بقاءه، فهل يُفلح في مسعاه ويتخلص من التهم اللاصقة به أم أنها تملك من الأدلة الفاقعة التي ستتيح الاطاحة به رغم الظروف المحيطة التي تعمل لصالحه ؟؟.