ختم رئيس الوزراء الأسبق عبد الرؤوف الروابدة محاضرته أول من أمس في جمعية الشؤون الدولية بالتحذير من صعوبة المرحلة الحالية والأخطار الداهمة والأوضاع المقلقة، داعيا إلى"وقفة جادة تتجاوز التنظير المجرد والتلاوم واختراع الأعذار ودون استرضاء أو استقواء"، بالمرحلة الحالية كما قال"لا سابق لها وتحتاج لبرنامج عمل متفق عليه لايستفرد به طرف".
في الأثناء كان رئيس الوزراء عمر الرزاز يعرض لنخبة من المثقفين برنامج حكومته، وتشخيصه للمشهد العام والقوى الأربع حسب توصيفه التي تنقسم في رؤيتها لأوضاع البلد، ليقدم بعد ذلك مشروعه الحضاري الذي يقف على مفترق المئوية الثانية من عمر الدولة الأردنية.
الروابدة في المقابل قرأ اللحظة الأردنية الراهنة في سياق محطات صراع الوجود التي مرت فيها الدولة الأردنية، وحددها بعشرة تهديدات اجتهد بتسمياتها"حواف".
قدم الرزاز تصوراته في إطار ما بات يعرف بمشروع النهضة الوطني ووقف في صف المتفائلين بإمكانية التقاء المجموعات الأربع على قواسم مشتركة لتحقيق شعار"دولة الإنسان" في الأردن.
الروابدة على ما في تشخيصه من نقد لاذع لقوى تحمل مشروع التجديد، إلا أنه في نفس الوقت بدا توفيقيا لكنه يرفض الاستفراد، في إشارة لدعوات إصلاحيين راديكاليين، تبنوا شعار إقصاء ما يسمى بتيار المحافظين من مؤسسات صناعة القرار.
لايمكن للدعوات التوفيقية من طرف الرجلين أن تخفي التمايزات الشديدة في قراءة المشهد الأردني ومآلات التغيير والإصلاح وسبله في المستقبل.
الروابدة من أسياد المدرسة البيروقراطية التي بنيت على أكتافها مؤسسات الدولة الأردنية، والرزاز الذي حمل من قبل الحقيبة الوزارية التي حملها الروابدة من قبل، شخصية محدثة دخلت أبواب المؤسسة الرسمية منذ سنوات ، وكان قبل ذلك صاحب موقف نقدي صارم وعميق لمفهوم الدولة الريعية، ومنظر الانتقال السلمي لدولة الحداثة والمواطنة.
والحالة هذه ليست وضعا شاذا أو غير مسبوق، فمسيرة الدول والمجتمعات نحو التطور والتقدم، هي عملية ديناميكية تتصارع فيها الأفكار والبرامج والرؤى، لتبلغ غايتها في سياق موضوعي.
لكن دعونا هنا نتفق مع" التيار المحافظ"؛ مشروع بحجم الدولة الأردنية يحمل عنوان النهضة دليلا لدخول مئوية جديدة من عمر الدولة، يحتاج لتوافق وطني يتجاوز التقسيمات والمحددات الفكرية والسياسية. قيمة التجربة الأردنية في مئويتها الأولى أنها كانت محصلة جهود كل التيارات السياسية والقيادات الوطنية على اختلاف مشاربها ومدارسها، من توفيق أبو الهدى المحافظ المتشدد مرورا بفوزي الملقي أول رئيس وزراء إصلاحي في تاريخ الأردن وأول رئيس في عهد المغفور له الملك الحسين، والشهيدين هزاع المجالي ووصفي التل وسليمان النابلسي إلى عهود زيد الرفاعي ومضر بدران وعبد الحميد شرف، والأمير زيد بن شاكر صاحب السبق في التحول الديمقراطي وطاهر المصري، وحتى عهد المملكة الرابعة برموزها الإصلاحية والمحافظة. المئة عام الأولى من عمر الدولة الأردنية هي كل هؤلاء وغيرهم من رجالات المعارضة وقيادات الأحزاب ومفكرين وأدباء وشعراء صاغوا هوية الدولة.
لايمكن استثناء أو إقصاء أحد في المئوية الثانية، ولا في التأسيس لخطابها وبرنامجها."دولة الإنسان" ينبغي أن تتسع للجميع، وإلا لما عاد الأردن ذاك الوطن الذي عرفناه.