أطلقت عنوان جبهة فلسطينية جديدة، ليس من باب الاغراق في التفاؤل، أو التسرع في الأحكام، بل من خلفية المتابعة والمعرفة بالمعطيات العملية لما يتمتع به المكون الفلسطيني الثالث المقيم على أرض وطنه في مناطق الاحتلال الأولى عام 1948، أبناء الجليل والمثلث والنقب ومدن الساحل الفلسطيني المختلطة ويتجاوزون المليون ونصف المليون نسمة يشكلون خُمس المجتمع الإسرائيلي.
فنضالهم المدني القانوني الديمقراطي يحوز على مكانة مرموقة أمام المجتمع الدولي المتحضر، خاصة في أوروبا التي صنعت المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي عبر قرارات بريطانيا، وأسلحة فرنسا، وتعويضات المانيا، حيث ملت وسئمت أوروبا بأغلبها من سياسات المستعمرة الإسرائيلية وإجراءاتها التعسفية المتصادمة مع قيم العصر وحقوق الإنسان.
لقد استقبلت وزيرة الخارجية الأوروبية موغريني وفداً من القائمة المشتركة برئاسة النائب أيمن عودة رئيس القائمة البرلمانية من النواب الفلسطينيين لدى الكنيست الإسرائيلي من قبل لجنة حقوق الإنسان في البرلمان الأوروبي، وهي لقاءات تتم لأول مرة بين الطرفين، وتهدف ليس فقط عرض معاناة الشعب الفلسطيني بل تغيير سياسة أوروبا نحو كيفية التعامل مع المستعمرة الإسرائيلية، من خلال العمل البرلماني من قبل أعضاء الكنيست العرب مع مؤسسات الاتحاد الأوروبي التي ترتبط باتفاقات تعاون ما بين أوروبا الموحدة وتل أبيب، ولأن هذه الاتفاقات تلزم المستعمرة الإسرائيلية باحترام حقوق الإنسان.
إتصالات قادة الوسط العربي الفلسطيني لبناء علاقة مؤسسية مدنية حقوقية ديمقراطية باتجاه أوروبا لأول مرة، وباتجاه مؤسسات الأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان لأول مرة يفتح بوابات التفهم الأممي لمعاناة الشعب الفلسطيني بمكوناته الثلاثة : 1 – فلسطينيي 48، 2- فلسطينيي 67، 3- فلسطينيي اللاجئين في بلاد الشتات والمنافي.
الفلسطينيون في مناطق 48 الذين يعيشون في وطنهم وفي بلداتهم وقراهم، كانوا من المنسيين كما أطلق عليهم الكاتب اليهودي ألان بابيه الذي تميز بكتاباته الجريئة غير المعهودة وخاصة كتابه التطهير العرقي في فلسطين وكشف إعتماداً على وثائق جيش الاحتلال الإسرائيلي المجازر التي أُرتكبت بحق الشعب الفلسطيني في حروب عام 1948 الإسرائيلية ضد الفلسطينيين بهدف طردهم وتشريدهم.
يتميز نضال الفلسطينيين في مناطق 48 أنه يسير بمسارات متعددة تنسجم والحالة السياسية التي يعيشونها، فهم يعملون من أجل حشد أكبر عدد من نواب الكنيست لرفض الظلم والتمييز الواقع عليهم، فقانون يهودية الدولة صوت ضده خمسة وخمسون نائباً مما يدلل على وجود معارضة قوية ضده، وقدموا إلتماساً للمحكمة العليا للبت في القانون وسيصدر حكماً وقراءة من قبل المحكمة لفحوى هذا القانون، وتقدموا بشكوى إلى لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة أمهلت حكومة نتنياهو للرد عليها، وشكوى مماثلة إلى البرلمان الأوروبي، من المتوقع أن يُخاطب البرلمان الإسرائيلي للاستفسار على محتواها العنصري، وهكذا نرى المشهد أن جبهة فلسطينية تم فتحها في مواجهة سياسات المستعمرة الإسرائيلية لتصل في نهاية المطاف وتتوسل عزل وتعرية تل أبيب كما حصل مع جنوب إفريقيا العنصرية التي إندثرت.
ولذلك يتوهم من يعتقد أن قوة المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي ستبقيه في قمة الهرم السياسي والاقتصادي والأمني والعسكري المتفوق في قلب عالمنا العربي، فيهرول البعض لتطبيع العلاقات الأمنية والسياسية والاقتصادية معه تحت غطاءات من ضيق الأفق، وهي حقيقة تدفع أصحاب هرولة التطبيع إلى الدرك السياسي الأسفل والانكشاف أمام شعوبهم، نظراً لحجم الجرائم التي يرتكبها المشروع الاستعماري التوسعي الإسرائيلي، الذي مازال يحتل أراضي ثلاثة بلدان عربية، وينتهك حرمات المقدسات الإسلامية والمسيحية، مما يدفع الأوروبيين في التعبير عن الامتعاض بسبب سياسات تل أبيب، وباتوا يصوتون علناً ضدها لدى المحافل الدولية في دلالة عكسية لفهم وهرولة من يسعى لمكافأة العدو الإسرائيلي على ما يفعله ضد الشعب الفلسطيني ويحرمه من حق الحياة على أرض وطنه.