ما أن أعلنت السلطات الرسمية في الأردن وسورية عن فتح جابر الحدودي حتى تدفق المئات من الأردنيين صوب الشام.
طوابير من سيارات المسافرين اصطفت عند بوابات المعبر لإتمام إجراءات المغادرة، وهو أمر دفع بالسلطات الأردنية لإعلان إغلاق المعبر قبل ساعة من الموعد المقرر، لمنح الأشقاء على الجانب السوري الفرصة لتنظيم إجراءات الدخول.
وخلال أيام ستبدأ شركات النقل السياحي بتسيير رحلات منتظمة لدمشق، فيما عاد الفوج الأول من المسافرين محملا بالبضائع السورية الرخيصة والخضروات.
تنقل المسافرين من البلدين يخضع لتعليمات إقامة مستحدثة لاعتبارت أمنية بحتة، لكن ذلك لم يحل دون رغبة الأردنيين بزيارة دمشق. في المقابل لم تسجل معدلات مماثلة لسوريين قادمين للأردن.
اتخذ النقاش حول هذه الظاهرة منحى أخلاقيا عند البعض، خاصة خصوم النظام السوري الذين رأوا في سلوك المبتهجين بفتح المعابر تنكرا لجراح السوريين وآلامهم، وتشردهم، فيما عده الطرف الآخر انتصارا لقيم الحياة على الخراب والدمار الذي لحق بسورية جراء مؤامرات حيكت ضد شعبها ونظامها.
الجدل له ما يبرره، فثمة شيء يستحق النقاش، خاصة عندما تشاهد طوابير الأردنيين التواقين لزيارة دمشق بينما مئات الآلاف من اللاجئين السوريين على مقربة من بيوتهم لا تتحرك في داخلهم الرغبة بالعودة لديارهم.
لكن أكثر ما أثار الاهتمام في التعليقات، المقارنة التي عقدها البعض حول رخص الأسعار في سورية التي كانت غارقة في حرب طاحنة، والأردن الذي ينعم بالاستقرار والأمن.
أغرت تلك المقاربة السطحية الكثيرين لاستخلاص استنتاجات تضفي مزيدا من السوداوية على نظرتهم للأوضاع في بلادهم. المقارنة غير منصفة بحق لأنها تتجاهل المعيار الأساسي لقياس كلف المعيشة، وهو مستوى الدخل. بالنسبة للأردني، أسعار المواد الغذائية في سورية رخيصة بالفعل، لكن بالنسبة للمواطن السوري المسألة مختلفة تماما بالنظر لمستويات الدخل المتدنية حاليا.
سورية بلد خيرات، وفي غياب أسواق خارجية تهاوت أسعار المنتجات لمستويات قياسية. لكن هذه الحالة لن تستمر طويلا، فبعد فتح المعابر مع الأردن والعراق، ستبدأ الأسعار بالارتفاع تدريجيا، وفي ذلك مصلحة للأشقاء السوريين لا نغبطهم عليها أبدا.
الأكيد أن شعور الأردنيين بالغلاء يغريهم باللجوء إلى السوق السورية الرخيصة. لقد كان هذا هو الحال حتى في سنوات العز قبل اندلاع الأزمة السورية. ولهذا السبب ربما لم يقاوم الأردنيون رغبتهم بزيارة دمشق ولو ليوم واحد، فسنوات الحرب الثمان والمخاوف الأمنية الحاضرة، لم تبدد خزان الذكريات عن متع السياحة والتسوق في سورية.
صحيح أن الأحداث التي شهدتها سورية أحدثت شرخا كبيرا في نظرة الأردنيين، لكن مآلاتها، والشعور العام بالاختناق جراء الفوضى والحروب التي حاصرتنا طول تلك السنوات، فجَرت الرغبة بكسر طوق اليأس من حولنا، واستعادة الرغبة بالحياة والتواصل مع الأشقاء. وهذا التواصل في اعتقادي سيساهم في مداواة جراح السوريين ويخفف من عذاباتهم.
وبالنسبة للأردنيين، زيارة سورية فرصة لمعاينة الآثار الكارثية لمخلفات الحرب والفوضى، وما جرته على السوريين من ويلات بفعل عبث الخارج بأمنهم واستقرارهم، وتجيير مطالبهم المشروعة بالحرية، لمصالح وأجندات خارجية.
أثناء تسوقكم البضائع الرخيصة من سورية لا تنسوا تأمل الحال هناك واستخلاص العبر، على أمل العودة بدروس أكثر قيمة من 'المكابيس' الشامية.
الغد