سوريا المقبلة
حمادة فراعنة
لا توجد دولة في العالم تحترم نفسها وسيادتها وأمن مواطنيها تسمح ببقاء بؤر أو ثغرات أو مواقع خارج إرادة الدولة وإدارتها، وغير ذلك يُعتبر من مخلفات ما قبل الحربين العالميتين الأولى والثانية، ولولا إنهاء هذه المخلفات وإقامة معايير وأسس الدولة الحديثة القائمة على العناوين الثلاثة : الشعب والأرض والسيادة، لما ساد الأمن والاستقرار النسبي لدى دول العالم.
سوريا تعرضت لحالة من الانكسار والتمزق والتدخلات الأجنبية وتمردات داخلية ذات طابع مسلح وعنفي، وصمدت بجيشها وشعبها ونظامها مدعومة من تحالف دولي إقليمي في مواجهة تحالف دولي إقليمي معاكس، وحصيلة صمودها حررت الوسط المحيط بالعاصمة، وحررت الجنوب، وبقي لها الشمال الأصعب والأكثر حشداً من قبل قوى المعارضة المسلحة مصحوبة بضجيج مفتعل، خشية على الشعب السوري لأن يتعرض لمذابح، وكأن أصحاب الافتعال والقلق أكثر حرصاً على السوريين من النظام السوري نفسه ؟؟
سوريا النظام والجيش، والحلفاء لن يسكتوا ولن يقبلوا بقاء معارضة مسلحة على أرض سوريا، مهما بلغت من المهادنة والتضليل والتأجيل، فالمعركة مقبلة كما حصل في الوسط في مناطق الغوطة الشرقية والغربية ، وكما حصل في الجنوب كله سيحصل في الشمال كل الشمال، لن يتوقف النظام على مواصلة إنجازاته وخياره كي تشمل كل أرض سوريا، ويتم تحريرها من كل المعارضات المسلحة، المعتدلة منها والمتطرفة، فهذا هو الوضع الطبيعي السوي والمطلوب وغير ذلك تشويه وتغميس خارج الصحن، فالقرار هو كذلك، ولا يمكن أن يكون غير ذلك والتأخير والتأجيل مسألة إجرائية تستهدف تحضير الوضع على الأرض بما ينسجم مع الوضع السياسي الإقليمي والدولي السائد، وبما تسمح به ظروف المعركة، معركة تحرير الشمال كله ومتطلباتها.
ومما لا شك فيه أن النظام حريص على شعبه أكثر من إحساس الآخرين بمعاناة السوريين وعذاباتهم، وهذا لا يعني أن النظام نموذجي وديمقراطي، ولكن الشعب السوري هو الذي يملك صلاحية منح الشرعية للنظام أو تجديدها أو حجبها، ولا أحد يحق له التدخل بشأن الداخلي لسوريا مهما وصلت درجة التعاطي والتجاوب والتضامن من قبل الآخرين.
لقد فتحت بوابات الدخول الحدودية بين سوريا والبلدان العربية المجاورة : لبنان والأردن والعراق، مقدمة لفتحها مع تركيا حينما تنتهي حالة التمرد والجموح والمعارضة المسلحة في الشمال وأوقاتها الزمنية التدريجية مجمدة لعل التفاهم بتسليم السلاح ورحيل المقاتلين الأجانب وعودتهم من حيث أتوا، يمكن أن يوفر على السوريين الخسائر البشرية والمادية، ولكنهم إن لم يستجيبوا للأمن ويرضخوا للسيادة السورية وعنوانها النظام والجيش، ستكون هزيمتهم مؤكدة مع حصل لهم في منطقتي الوسط والجنوب.
عاملان مهمان في الشمال أولهما كثافة المقاتلين الذين رحلوا من الجنوب، وثانيهما انكسار معنوياتهم نتيجة هزائمهم المتكررة والتدريجية ، والنظام مليء بالثقة بما أنجز، ولكنه يحترم أصول اللعبة السياسية ولهذا تتسع نواياه ويطول توقيت قرار حسمه الذي سيكون قريباً مهما بدا بعيداً.
20/10/2018-الدستور