أدرج الأنتربول رسميا اسم المتهم الرئيس في قضية التبغ عوني مطيع على قائمة المطلوبين للأردن. وهذا بحد ذاته تصريح قانوني يعطي الحق لأي دولة يتواجد مطيع على أراضيها بالقبض عليه وتسليمه للسلطات القضائية الأردنية.
يأمل الجميع بأن تحصل هذه الخطوة في أسرع وقت، فالتحقيقات بملفات القضية الضخمة تجري بشكل حثيث، سواء في أروقة محكمة أمن الدولة أو هيئة النزاهة ومكافحة الفساد، التي أخذت على عاتقها النبش بتفاصيل القضية والحفر في دهاليزها لضبط كل المتورطين والمتواطئين في عملية نصب كبرى على حساب خزينة الأردن استمرت لأكثر من عشر سنوات، ضاع فيها على الدولة ما يزيد على مليار دينار.
لكن مطيع ليس شخصا ولا بضعة أشخاص عملوا كموظفين تحت إمرته في التهريب والتسويق، بكل شبكة واسعة من أصحاب النفوذ والسطوة ومن هم في عداد الموظفين العموميين كما أكدت هيئة مكافحة الفساد في بيانها الأخير.
لا قيمة لكل الإجراءات على أهميتها إذا لم يتم تفكيك هذه الشبكة، وتدفيع أفرادها ثمن التواطؤ والتعدي على حقوق الدولة وانتهاك قانونها، وتخليق 'مافيا' متجبرة ومبتزة.
لا نعرف مسار التحقيقات بهذا الشأن، لكن ثقتنا مطلقة برجال مكافحة الفساد ومحققي محكمة أمن الدولة الذين تصدوا من قبل وباقتدار لقضايا كبرى كقضية البورصات، وأعادوا ما استطاعوا من حقوق لمواطنين غلابى.
للقضية، كما فهمنا، تفريعات كثيرة وزوايا مظلمة، ووثائق يندى لها الجبين، وصلات وقنوات خلفية وجانبية، تصب كلها في نهر عوني مطيع الذي عمل لسنوات طويلة تحت الأضواء من دون أن يلفت نظر أحد!
هذا سؤال كبير يفتح الباب واسعا على فجوات هائلة في نظام عمل أجهزة الدولة المعنية كالجمارك ومكافحة التهريب وإدارة الموانئ والمناطق التنموية، ومؤسسات الرقابة الأخرى.
فجوات تستحق فتح ورشة عمل طويلة لمراجعة قوانين وأساليب العمل في تلك المؤسسات، وإخضاع مسؤوليها لجلسات تدقيق لكشف الثغرات، فما يقال في أوساط المسؤولين يشي بأن الباب ما يزال مفتوحا لظهور مائة عوني مطيع جديد، إذا لم تمسك الحكومة بجذر القضية وأصل الداء في جهازنا الإداري.
وقد كشفت قضايا جانبية تعثر بها المحققون في طريقهم لجمع أوراق قضية مطيع أن هناك بالفعل حالات كثيرة مشابهة وإن كانت أقل حجما ونفوذا، تشكل في مجملها إمبراطورية تهريب تتحايل على القوانين وتسرق حقوق الخزينة، مستغلة في بعض الحالات ثغرات قاتلة في التشريعات، كاستيراد السلع برخص لأشخاص مجهولين، والتنصل من الغرامات عند فرضها على المتهربين. ناهيك عن استغلال البعض للتسهيلات الممنوحة للمستثمرين المخلصين والجادين لتمرير نشاطات مخالفة للقانون تعود بالنفع على أفراد وبالضرر على الخزينة.
عوني مطيع عنوان لظاهرة كبرى، لا ينبغي أن تمر من دون الوقوف على كل حيثياتها وتعريتها، واستخلاص الدروس منها كي لا تتكرر. وإن كانت الملامة هنا واردة بقوة لتقصير أجهزتنا في احتواء الظاهرة في وقت مبكر، لكن على المؤسسات أن لا تستسلم للشعور بالذنب وتنهض لتصويب الاختلالات، ومعاقبة المتواطئين، كي نقطع دابر تلك الظواهر نهائيا.
الغد