موضة شتم الملك، أو التطاول عليه، او الاساءة له، او اتهامه، واتهام عائلته، موضة خبرناها في تواقيت مختلفة، وهي في حقيقتها، لا تعبر عن جرأة صاحبها، بقدر تعبيرها عن ترفع الملك عن الصغائر.
الملك ذاته في احدى مقابلاته مع الاعلام الاميركي، تحدث عن الاساءة بحق عائلته، وترويج اشاعات حول الوضع الصحي للامراء، هذا اصم، وتلك لا ترى، وغير ذلك، والهتافات التي كنا نسمعها في الربيع العربي، لم تترك شيئا الا وقالته، واغلب الذين كانوا يهتفون لم يتركوا سقفا الا وتم تجاوزه، من الاتهامات للملك والملكة والامراء، والذمة المالية، والاستقرار السياسي، الى آخر كل الهتافات والشعارات التي تم اطلاقها، بشكل لم يقبل به غالبية الناس.
ما الذي حدث لكل هؤلاء، اغلبهم لم يتم التعرض له، ولربما كان الاصل ان يقف كثيرون، عند عدم ملاحقة هؤلاء، وليس عند المرجلة، من فلان او علان، على اطفال الملك، او عائلته؟
مقارنة بدول اخرى يدرك الكل ان تلك الدول، لا تتورع عن الانتقام بشكل بشع، من كل شخص يهتف ضد النظام، لكن هؤلاء يشتمون مجانا، ويذهبون الى فراشهم، دون خوف او وجل، فهي اذاً ليست مرجلة، ولا حرية، ولا بطولة، فالكلام غير مكلف في حالات كثيرة في هذا البلد.
الذي يريد الضغط من اجل التغيير، لا يلجأ الى هذه الوسائل، لانها منفرة، وغير اخلاقية، وغير مقبولة حتى على المستوى الاجتماعي، قبل القانوني، اذ بإمكان المعارض او الغاضب، ان يقول كل ما يريد، لكنه حين يدخل الى هذه المساحات، كمن ينتحر ذاتيا، والسبب بسيط، اذ ان الكل يدرك ان هذه ليست بطولة ولا مرجلة، في بلد مثل الاردن، يدرك فيه اغلب الناس، ان الدولة لا تنتقم ممن يتجاوز كل الخطوط، بطرق غير مقبولة ابدا، ولا تليق اساسا بسياسي او اعلامي او برلماني.
كثرة منا، تدرك وجود اخطاء، ووجود علل، وقد قيل فيها ما قيل، والقضايا المثارة معروفة للكل، من اداء الحكومات الى الديون، وقضايا الفساد، وبيع القطاع العام، او ممتلكات الدولة، والبطالة والفقر، وغير ذلك من قضايا تثار يوميا في الاعلام والبرلمان، وفي مجالس الناس، ولا أحد هنا، يبرر الاخطاء، ولا يدافع عن الخراب الذي تسلل الى قطاعات كثيرة، والى حال البلد والناس.
لكننا نسأل هنا بصراحة ووضوح، ما الذي سيضيفه شتم الملك او التطاول عليه، او التطاول على عائلته، وهل هذه هي الوصفة الوحيدة، لاثبات جرأة صاحبها، او ان وطنيته بلغت مبلغا اوصله الى حد هذه المرجلة الزائفة، وهي زائفة لان صاحبها يدرك في قرارة نفسه، ان الملك ذاته يترفع عن السفاهات في حالات كثيرة، ولربما كثرة كانت تنتظر شهرة متأخرة، او مجدا في معتقل، او مسحة وطنية على وجهه، ظنا منه ان هكذا يرتقي الجبل نحو السارية؟.
شتم الملك واتهامه، سرا او علنا، في موقع عام، او في غرفة مغلقة، لا يغير من الواقع شيئا، ولا يشكل اي اثارة عند الرأي العام في الاردن، الذي تعب اساسا من هكذا اساليب غير راشدة، وغير محترمة، وكل ما يريده الناس، هو حل مشاكل البلد فيما التطاول على الملك والملكة، لن يأتينا لا بالنفط، ولا بالمن والسلوى، بل سوف يتسبب بخسارة لكل قضايانا العادلة المطروحة، حين تكون المعارضة، او من يدعي عنوانها، مراهقة، في تصرفاتها، ولا تترك للعاقلين من المعارضين موقعا ولا مكانا. خرج الليبيون يوما، ضد الملك ادريس، وكانوا يهتفون «حكم ابليس ولا حكم ادريس» سقط ادريس وجاء القذافي، او ابليس، ومنذ ذلك اليوم، والليبيون في جهنم الحمراء، ليس لانهم اقتربوا من الملك، فلا قداسة له نهاية المطاف، بل لان هكذا شعارات احيانا، تكون مفتاحا لفتن اكبر، ولجهنم بحد ذاتها.
يبقى السؤال عن جدوى هذه العدمية في حياتنا السياسية، حين نُبطل جميعا، كل ادوات التغيير القانونية والدستورية المتاحة، ويصير بديلها شتم الملك وعائلته.
اشتم ثم اشتم ثم اشتم، ولا تخف، وقل لنا ماذا بعد كل هذا؟!.
الدستور