جملة «العقد الاجتماعي الجديد» لا حاجة لسرد تاريخها، لكنها رميت أمام الجمهور في بيان الحكومة، باعتبار أن المرحلة توجب هذا العقد، ولربما يمكن الحديث عن تفاصيل وموجبات هذه المقولة والسياقات التي انجبتها بوقت آخر، فقد ولدت في سياق غربي مغاير لما نحن عليه اليوم.
لكن العقد المطروح أردنيا، كان مبهماً، لاحقاً سوف تغيب ترددات المقولة، لأنها بالنسبة للبعض ستكون مزعجة، وبالنسبة للبعض الآخر ستكون وصفة إصلاحية، لكنها أيضا ستكون إدراجا مؤقتا، كما حصل مع إدراجات حكومية أخرى سابقة من مقولات تنموية مثل الاجندة الوطنية وغيرها.
النواب عبروا عن مخاوف طرح مسألة العقد الاجتماعي، والبعض رآه فكاكاً بين الدولة وبناها التقليدية ومحاولة انتاج أردن جديد، والمدافعون عنه رأوه محاولة للإقلاع عن دولة القبيلة التقليدية وردعا للقوى المحافظة، ونفق عبور لأردن مدني جديد.
الحق أن المسار الاجتماعي والسياسي والاقتصادي العام، لا يساعد في الأردن على طرح مفاهيم تغييرية بالشكل الذي طرحت به، كان يمكن ان ينتج الأردنيون هذا العقد بالتحول في مفاهيم وقيم الحياة والعلاقة مع الدولة، وعبر جملة سوابق دستورية ايجابية، فهذا ما يخلق عادة جملة التباسات.
عملياً الأردن يسير منذ عام 1989 إلى عقد اجتماعي جديد، والتزام البلد كان بالمسار الديمقراطي هو أحد أوجه العقد الاجتماعي الذي ترتكز فيه شرعية الدولة والحكم مع مرور الوقت إلى التمثيل النيابي، ولدينا تطور دستوري كان كافيا ليكرس نواة النظام والقانون، والدساتير في الأردن لم تولد في الفوضى، بل كانت حتى التعديلات الأخيرة في ظل الربيع العربي نتيجة فوضى مطلبية شعبوية، ولكنها كانت ذات سمة وطنية، طالبت بتعزيز القانون وفصل السلطات وصولاً إلى ملكية دستورية.
لكن في ظل الفوضى المؤسساتية اليوم وتفاوت المتانة وفي ظل العنف المكبوت إجمالا عند الشباب جراء خيبات التنمية، وفي ظل المجتمع المنزلق من اللاتنظيم المحدد إلى الهويات الفرعية( لنتذكر هنا التعبيرات الجهوية والنخبوية للحراك) فإن تجنب هذه الحالة وعواقبها لا يكون إلا بدولة القانون وفي استبقاء ما لم يعدل في النهج السياسي إلى حالة من اللقاء الوسط بين المجتمع والمؤسسات.
المؤسسات الوطنية اليوم ليست في نفس المصداقية، وهذا امر لا تعيده ولاية الحكومة العامة، بل هو حالة ناتجة عن ضعف مأسسة العلاقات الاجتماعية والسياسية التي ما زالت هشّة بلا مصداقية حتى بين الحكومات والشعب، وقد اعتاد المواطن الأردني على حالة انكشاف العلاقة وتصفير الإنجاز وعدم تحقيق أي هدف وطني. مثلا طالما تحدثت الحكومات عن الإصلاح وعن التشغيل الوطني وعن التنمية في الأطراف، وهذا أحال الواقع إلى ازمة ثقة تنمو كل يوم أكثر، فنمت علاقات زبائنية لممثلي المجتمع مع السلطة او الحكومات، وهؤلاء الممثلون كانوا أيضا وسطاء رابحين وضد أي تغيير ممكن في بنية العلاقات يستهدف تصحيحها، لان التغيير سيفقدهم دورهم.
صحيح أننا انجزنا تعديلات دستورية ولدينا إرث دستوري، لكن التقدم الاجتماعي والتحولات الديمغرافية والاجتماعية والاقتصادية، كانت أكثر تسارعا وأعظم تأثيراً، فكان من الصعب إلحاق العقد الدستوري المحدث بالتطور المجتمعي.
أخيراً، العقد الاجتماعي يتطلب روحا عقلانية، ولا ينبغي أن يرتبط بحكومة بعينها، وأن لا يكون هدفا لحكومة محددة، بل هو مسار عام يسعى الجميع إليه، بتعميق التقاليد الدستورية وبسط القانون على الجميع، وانهاء الوساطات التقليدية بين المجتمع والدولة والحكم، ويتطلب مستوى عالياً من المعرفة، في زمن يتضخم به المجتمع والدولة، وهذا كله أدعى أن لا نترك المجتمع والمؤسسات في حالتها الاعتباطية الراهنة، أو لسلطة التقليد والعصبيات المهيمنة.
الدستور