المهندس هاشم نايل المجالي
ان مفهوم الادراك يعني اللحاق بالشيء ليدركه اي لايصال رسالة معينة كي يفهمها ويستوعبها بصورة او بأخرى من خلال دخولها الى نطاق الذهن وبالتالي اخضاعه الى العمليات العقلية من خلال المجال المعرفي والتصوري في تعاملاته مع المحيط الخارجي من احداث وازمات وكيفية تفاعله مع ذلك المحيط .
فهو يخلق بذلك دلالات وقناعات للشيء الذي يراد ايصاله واقناع الاخرين به وكثير من الاحيان نتبنى افكاراً وطورحات وقناعات واعتقادات دون تفسير منطقي لها او اهتمام بالعواقب المترتبة على ذلك ، كل ذلك اصبح يتم بواسطة التقنيات الحديثة لوسائل الاتصال والتواصل فهي باسلوب التكرار والفبركة تقنع الاخرين بالشيء الذي يريدون تحقيقه ، ففي حرب الخليج تم اقناع العالم اعلامياً بالوسائل المختلفة ان العراق يمتلك اسلحة دمار شامل يهدد بها كافة الدول المحيطة به وانه يمتلك اسلحة كيماوية مدمرة تحملها صواريخ ذات مدى بعيد وهذا اقنع الكثير من الدول الغربية والدول الداعمة عربياً ضرورة المشاركة بالحرب على العراق .
فلقد اوجدوا دلالات وقناعات بذلك الشيء اي كان هناك رسائل لا ادراكية في طيات الرسائل الاعلامية وهناك مثل متعارف عليه يقول ( الزن على الودان أمر من السحر ) وهذه حقيقة اكدها العلماء ، حيث ان تكرار الشيء على الناس يصبح فيما بعد من البديهيات حيث يكون هناك ارتباط ذهني يتحول الى ارتباط ادراكي ، وهذه الرسائل اللاادراكية المبطنة لها قدرة للتحكم والسيطرة على العقول بما تملكه وتروج له من معلومات وثوابت مشوهة ومضللة وتهويلها للامور والتلاعب بالصور والافلام وبشكل متكرر وبطرق مختلفة سواء كانت سياسية او اقتصادية او اجتماعية .
فهناك مشاعر ودوافع لدى الكثيرين من الناس لا يدركونها لكنها تستثار بالمعلومات المختلفة الموجهة نحو هدف معين وهناك من يطبق الاحساس والسلوك بالاثارة من خلال زيادة المحفزات الاعلامية وتغذيتها بالمعلومات والانسان يستقبل كثير من المعطيات ويحولها الى مفاهيم وتصورات ويخزنها وتتحول الى استجابات ملموسة واحساسيس ومشاعر يتفاعل معها بشكل لا ارادي .
فمثلاً عندما نذكر اسم ( حاتم الطائي ) فاننا نتحدث عن الكرم والسخاء ، وعندما نصف شخصاً ( بالاسد ) فاننا نتحدث عن الشجاعة والاقدام في عملية ربط ذهني وتكون هناك استجابة لذلك وهذا يتعلق بطبيعة التفكير الانساني وعمل الذهن البشري وهذه صور مجازية ، كذلك في قوله تعالى ( وانك لعلى خلق عظيم ) حيث تم الربط بين حقل بيان شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم العظيمة بالتربع والرقي على السمات الخلقية الرفيعة والصفات النبيلة .
فان هناك صناعة للمعنى لتنتقل من العالم الواقعي الى عالم الذهن كذلك الامر عندما نصف شخصاً ما بالفاسد او المنحل اخلاقياً فهذا يقودنا الى امور كثيرة لنوعية الفساد وممارساته كذلك انحلاله الخلقي وذلك بمشاهد ذهنية متعددة لذلك حيث ان الانسان يستقبل المعطيات والمعلومات ويحولها الى استجابات يتحدث بها .
كذلك الامر فان هناك كثيراً من الرسائل الخفية على شكل تغريدات وغيرها لا يمكن ادراك غايتها من الوهلة الاولى سواء كانت مرئية او سمعية بحيث تصبح من المسلمات تصل الى العقل الباطن دون ان يحللها ويتأكد من دقتها وصحتها وتروج للهدف المراد الوصول اليه ، فهناك مثلاً شركات عالمية تسوق منتوجاتها بصورة غير مباشرة مثل كوب ستار بكس عندما يكون بيد احد الممثلين المشهورين بشكل متكرر او مشروب الكوكا كولا فنجد انفسنا لا شعورياً بعد الفلم اننا نريد ان نشرب ذلك المشروب اي ان لذلك تأثير على تصرفاتنا وسلوكنا ونمط تفكيرنا .
اننا نعيش في عالم متغير متطور باساليبه واصبحنا في كثير من الاحيان نقرأ ما بين السطور وكثير من الجهات العدائية او الارهابية ترسل رسائل عبر الشبكة العنكبوتية ورسائل التواصل للتلاعب بالعقول وتغير المفاهيم لتؤثر بالسلوك واثارة الحواس لدى الشخص لتتحكم بسلوكياته وتصرفاته ، فلقد تم تنظيم العديد من الشباب بالعديد من الدول عبر وسائل التواصل المختلفة بصورة لا ادراكية للتأثير على عقله الباطن فنجده يسرق سيارة ليدعس فيها أناس ابرياء مسنين واطفال بطريقة لا شعورية سوى انه يريد الانتقام من شيء لا يعرف ما هو واسبابه .
كذلك هناك من يريد زعزعة العقيدة بتحريف الاحاديث وخلق القصص والاقاويل الغير مثبته للتلاعب بالعقول والسلوكيات قال تعالى ( ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين ) .
اذن هناك حرب خفية تقاد ضد عقولنا اكثر شراسة من الحروب العسكرية ، فهي مثيرات ومنبهات لا شعورية نستقبلها على اشكال مختلفة ندركها بعقلنا الباطن ولها تأثيرات على تصرفاتنا ونمط تفكيرنا .
فالوعي الانساني يتركب من عدة مستويات وهذه الرسائل نجدها مقنعة بالاساليب والمعلومات والبرهان واسلوب التشابه تستغل بعض الثغرات النفسية والعاطفية وهذه الجهات المرسلة لهذه الجهات محترفة المطاوعة اي انها تجيد احتراف مطاوعة الناس لها ، فهم يسعون لبرمجة عقولنا لنتصرف بطريقة تختلف عن فطرتنا وعكس تصرفاتنا ونتبنى افكاراً وطروحات واعتقادات دون تفسير منطقي لها او دون اهتمام ووعي وادراك للعواقب المترتبة عليها ، وهناك شخصيات سياسية واجتماعية واقتصادية يمتهنون ذلك لسبب او لآخر في بث تغريدات مبهمة حول شخصيات او ازمات او معلومات ويتم الترويج لها بصورة واسعة عبر مواقع ووسائل مختلفة لتصل الى اكبر عدد ممكن ليتم تدوالها ومع التكرار لتلك المعلومة وبصور مختلفة يقتنع الكثيرون بها بشكل لا ادراكي انها فايروسات موجهة للعقول لإقناعهم بشيء او بوجهة نظر مع خلق مبررات وذرائع لذلك ، فأي قوة تجعل من مجرد تغريدة او طرح معتقدا ًراسخاً بالذهن يصعب اجتثاثه ويتحكم بسلوكياتنا وتصرفاتنا واقوالنا وافعالنا وتؤثر على ابنائنا بصورة او بأخرى قبل ان نعي اننا اتخذنا قراراً بدون تحليل او دراسة لنجد انك لست قبطان جسدك وتصرفاتك وسلوكياتك بل تصبح مراقب الذي يشعر انه مسيطر عليه من قبل تلك الرسائل الخفية الوافدة لمراكز الاستشعار المتصلة بالحواس تحول الى اقرب شيء للواقع ، فاذا سمعت ليلاً في منزلك صوتاً فانه يتخيل لك وجود لص او خطراً ما يهدد حياتك وحياة اسرتك وعندما يقال ان البلد في انهيار اقتصادي او ان الدينار ستنزل قيمته وسوف ينهار فانك لا شعورياً تحول ما تملكه من اموال الى دولار او عملة صعبة ليتخبط سوق العملات والاقتصاد .
ان العقل هو الحاضنة الطبيعية للافكار وآلية انتشار الافكار شبيهة بانتشار الفيروسات وعليك ان تحمي نفسك من الافكار الهدامة التي تستقبلها حاضنتك الدماغية خاصة اذا عشعشت واستوطنت في دماغك واندمجت مع افكار اخرى شبيهة لها تتفاعل معها .//
hashemmajali_56@yahoo.com