يؤكد ديوان الخدمة المدنية في بيان أصدره عقب تنفيذ مجموعة من خريجي الجامعات اعتصاما أمامه احتجاجا على شروط التعيين وآلية التنافس، على «القيم التي تحكم ثقافته المؤسسية والمتضمنة قيم العدالة والنزاهة وتكافؤ الفرص»، وأنا أجد أن هذه المعايير الثلاثة لو طبقت في أي مكان، وليس ديوان الخدمة المدنية، لكان وضعنا أفضل من ذلك بكثير ولن تجد من يعتصم على بابه.
لن يستطيع ديوان الخدمة المدنية رغم تصريحاته وبياناته أن يقنع أكثر من 361 الف شاب وشابة تقدموا بطلبات للتوظيف، بأن معيار الكفاءة هو الذي يحكم عملية التعيين في الوظائف، ذلك أن حالات كثيرة واقعية أمامه في المجتمع تنفي كل يوم ما تصرح به الأجهزة الحكومية ومنها ديوان الخدمة المدنية في مجال العدالة بالتوظيف.
بعد أن ينهي الشاب او الفتاة دراستهما الجامعية، يتقدمان بطلبات لديوان الخدمة المدنية أملا في الحصول على وظيفة، وبعدها ينتظران أعواما، لكن أحدهما يجد بأن احد أقاربه أو معارفه أو أصدقائه التحق بوظيفة حكومية وبمؤسسة هامة رغم أنه حديث التخرج، فكيف يمكن له أن يفسر مفهوم «العدالة وتكافؤ الفرص في التعيين».
ييأس الشاب من سنوات انتظاره لوظيفة عامة، فيبدأ مشواره للعمل خارج الأردن، وخلال رحلته لتجهيز الأوراق للسفر، يصطدم بأن أصدقاء له تخرجوا بنفس التخصص وذات التاريخ، هم من يستقبلونه في الدوائر الحكومية التي يراجعها، ولا يجد تفسيرا واضحا ومحددا لمفهوم «العدالة وتكافؤ الفرص في التعيين»، فيتأكد أن الهروب قرار حكيم.
من يمن الله عليه من الشباب بفرصة للعمل خارج الأردن بسبب اليأس من الحصول على وظيفة في بلده، هو من المحظوظين هذه الأيام، لكن ستلاحقه بالضرورة «العدالة الغائبة» في التعيين، عندما يراجع سفارة أردنية ويجد أن ابن عشيرته الأصغر منه سنا والأحدث تخرجا، يعمل بوظيف مستشار أو قنصل في تلك السفارة، وعندها لا يجد أيضا تفسيرا واضحا ومحددا لمفهوم «العدالة وتكافؤ الفرص في التعيين».
فتاة أخرى، قد يخدمها الحظ، ويتم تعيينها في مؤسسة حكومية، لتجد أن لا عدالة أيضا بين الموظفين الحكوميين، فهناك زميلة لها في وزارة أو مؤسسة أخرى تتقاضى الى جانب راتبها مكافأة شهرية وبدل تنقلات، في حين لا يوجد أي شيء من هذه في مؤسستها، أو قد يكون موجودا لكنه يشمل فلانا ولا يشمل آخرين، فكيف يمكن أن تجد تفسيرا واضحا ومحددا لمفهوم «العدالة وتكافؤ الفرص في التعيين».
يكفينا بيانات غير منسجمة مع الواقع الذي نعيشه جميعا كل يوم، فهي لن تصلح شيئا، ولن تقنع أحدا، فهناك تعيينات كثيرة في مؤسسات عديدة ومهمة خارج نظام التشكيلات في ديوان الخدمة المدنية، وهناك فرق بين الموظفين العموميين في الحوافز والبدلات والميزات لا ينسجم مع العدالة التي يتحدث عنها ديوان الخدمة المدنية ومن ورائه الحكومة.
الدستور