وتبقى الكرك مدرسة في الشهامة والنخوة والكرم ....
د. عصام الغزاوي
لم أكن أنوي نشر أي موضوع اليوم لمعرفتي ان الجميع مهتمون بمتابعة المباراة النهائية للمونديال، لكن إستثار قريحتي حدث إستثنائي وجدت انه من الضروري الكتابة عنه، ليس من السهل أن تصف كرم ونخوة وشهامة الشعب الأردني في مقال او سطور وهو يسطر كل يوم مآثر وصفحات في الشهامة والنخوة والكرم، قصتنا اليوم من الكرك التي يصر أهلها الكرماء ان تبقى عنوانا و مدرسة في الشهامة والكرم والنخوة العربية، الكرك التي سجل رجالاتها الأوائل وما زالوا يسطرون اسماءهم بمداد من ذهب واحرف من نور في صفحات التاريخ الاردني.
قبل ايّام وعلى إثر جريمة قتل بشعة في المزار الجنوبي كان ضحيتها الشاب المرحوم صقر النوايسة إضطرت عشرات الأسر من سكان البلدة الى مغادرة منازلهم، تطبيقا للجلوة العشائرية، وأجليت الأسر التي ترتبط بصلة قرابة حتى الدرجة الثالثة مع القاتل، الى بلدة أم محاط بقضاء مؤاب شرقي محافظة الكرك، الى حين أن يتم إجلاء الأسر مرة أخرى بشكل نهائي الى مناطق الجلوة شمال محافظة الكرك وفقا للتصنيف العشائري، وبحسب الأعراف العشائرية، فقد نفذت الأجهزة الرسمية بالمحافظة عطوة أمنية لمدة ثلاثة ايّام.
وعندما ذهب محافظ الكرك برفقة وجهاء عشائر المحافظة بعد انتهاء العطوة الأمنية، لطلب تمديدها مرة أخرى، إلا أن والد المغدور ، الحاج محمد دخل الله النوايسه ورغم جرحه الغائر والألم الذي يعتصر قلبه على فقدان إبنه، فقد تسامى بأخلاقه، وكظم غيظه، وكان كرمه وعفوه فوق كل فضيلة عندما فاجأهم برفض تمديد العطوة وأخبرهم بأنه يريد وقف جلوة عشيرة القاتل وطلب إعادتهم لمنازلهم معلنا الصفح عنهم، وتجلت نخوته وكرمه عندما طلب من الجاهة مرافقتهم إلى مكان جلوة ذوي القاتل في بلدة ام حماط، وقام باصطحابهم لمنازلهم ومن بينهم والد القاتل وأشقاؤه معلناً إنهاء الجلوة العشائرية، في موقف يدل على الإخاء والتسامح، والعفو وكظم الغيظ، وشيم وقيم الأردنيين السمحة وشهامة أهل الكرك، ما قام به الشيخ محمد دخل الله النوايسه وأشقاؤه وعائلته الكرام يعجز عنه الكثيرون حيث كان كفيل الدفا والوفا وصاحب العفو بعد الله، ونموذجا راقيا للتسامح والتسامي، وللكرم والمروءة والشهامة الذي ستتناقله الأجيال، رحم الله الفقيد واسكنه فسيح جناته وعوض أهله خيراً ، وحفظ الله أردن الخير وأدام المحبة والمودة بين الاهل والعزوة اصحاب الهامات العالية والافعال الطيبة// .