فأجا أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح العالم خلال زيارته للصين للمشاركة بمنتدى التعاون العربي الصيني الذي عقد في الصين مؤخرا بتوقيع 7 اتفاقيات ومذكرات تعاون تكرس الشراكة الإستراتيجية بين الكويت والصين على الصعيد الاقتصادي والعلمي والسياسي والدفاعي وهو تعاون بادرت إليه الكويت بعد دراسة مستفيضة لخياراتها المستقبلية ووجدت في الصين هذا "التنين النائم" ضالتها في تدعيم رؤيتها في تعزيز الأمن الاقتصادي والاستقرار السياسي
وبموجب هذه الاتفاقيات يتوقع أن تستثمر الصين 450 مليار دولار في بناء منتجعات وفنادق ومستشفيات، وجامعات، ومراكز تجارية، وبنوك في الجزر الكويتية التي ستؤجر 99 عاماً للصين، كما ستقوم بكين بضخ 40 مليار دولار لبناء مدينة الحرير الكويتية لجعلها المركز المالي الأول في العالم العربي.
قبل عامين أو أكثر كان الشيخ ناصر صباح الأحمد نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع وعندما كان وزير للديوان الأميري يتحدث عن هذه الأفكار بجرأة عالية، وكان البعض داخل وخارج الكويت يعتبرونها مجرد "أحلام وأوهام" ولكن بعد زيارة الشيخ صباح الأحمد الجابر للصين وتوقيع الاتفاقيات أصبحت الأرضية جاهزة وتحولت الأحلام إلى حقائق وبات المسرح الكويتي معداً كامل الإعداد والتجهيز للبدء في تنفيذ رؤية الكويت 2035.
إن الأهمية القصوى لهذه الثورة الكبرى في العلاقات بين الكويت والصين تكمن في الآثار السياسية المترتبة عليها، ومن أبرز تلك الآثار السياسية إدخال الصين قوة اقتصادية وعسكرية وأمنية الى مياه الخليج العربي، وتحديداً في أكثر مناطقه حساسية، شمال الخليج العربي حيث التداخل في المياه الإقليمية بين الكويت، وإيران، والعراق عبر مصب شط العرب، وفي المقابل يعد إدخال الصين بهذه الصورة وبهذا الحجم لمنطقة الخليج وللكويت تحديداً ضمانة أمنية للاستقرار فيه وإضعاف مقصود للدور الأمريكي وللعلاقة مع واشنطن بعد أن باتت الإدارات الأمريكية المتعاقبة لا تمارس أي نوع من أنواع الحرص على المصالح الدول الخليجية الحليفة لها ولا مصالح الكويت التي "انكوت" بنيران "التجاذبات" الإقليمية والدولية ووقعت ضحية لها في الثاني من أغسطس (آب) عام 1990 ، وهي تجربة مريرة يحرص أمير الكويت على الاستفادة منها وتقييمها عند كل منعطف خطر في الإقليم والعالم بهدف الابتعاد قدر المستطاع عن الوقوع في دائرة الصراع أو التنافس السلبي وتوفير أدوات الحماية المتعددة ومنها الحماية الاقتصادية والدفاعية وبناء قاعدة صلبة للتوازن في منطقة كانت ومازالت عرضة للهزات والتجاذبات الساخنة.
هذا النهج الكويتي هو في حقيقة الأمر نهج دائم ومستمر ويعكس بصورة خاصة رؤية الأمير الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح الذي تميز بنهجه السياسي الوسطي والمبادر دوماً للعب دور الوسيط لتجنيب العرب والخليج كوارث الخلافات السياسية والصراعات الدولية، ومن أبرز الأمثلة على هذا الدور هو ما يقوم به سموه من جهد استثنائي ومستمر منذ أكثر من عامين لراب الصدع في العلاقات بين السعودية والإمارات والبحرين من جهة ودولة قطر من جهة ثانية ، و الذي نجح في وقف التدهور السريع في تلك العلاقات واتجاهها نحو حواف المواجهة العسكرية في أكثر من محطة من محطات هذا الخلاف.
إن سياسية التوازن الكويتية تدعمها رؤية "عبقرية" وإيمان كبير بان "تشبيك" المصالح الاقتصادية يحاصر براكين الخلافات السياسية، وما ذهاب دولة الكويت للصين لنسج شراكتها الإستراتيجية معها إلا خطوة نوعية على طريق " الحرير السياسي والاقتصادي والأمني" الذي سيتعزز مع مرور الأيام ويثبت صحة ودقة النظرية الكويتية القائلة إن التعاون بين الدول قادر على صناعة ثقافة السلام والتنمية ومراكمتها وتحصينها ضد الحروب.