اللجوء السوري بين الإنسانية والأمن
أ.د.محمد طالب عبيدات
الأردن آوى ونصر وجبر كل من إنكسر، وتاريخه مشهود له بالإنسانية والعروبة فعامَلَ اللاجئين من فلسطين والعراق وسوريا واليمن وليبيا وغيرها كمهاجرين وأنصار، وأجزم بأنه لا يستطع أحد أن يُزايد في ذلك على الأردن رسمياً وشعبياً، ولذلك فتعالي بعض الأصوات للمطالبة بفتح الحدود لإستقبال مزيد من اللاجئين وإن كنا نتعاطف معهم إنسانياً -وأنا شخصياً أشاطر المتعاطفين- فيه كثير من المحاذير والتخوّفات الأمنية التي نخشى عقباها، وعلينا جميعاً تفهُّم الظروف المحيطة قبل إطلاق أي مبادرات أو مطالبات لفتح الحدود:
1. هنالك وجهتا نظر في مسألة اللجوء السوري من درعا على الحدود الأردنية: إحداها إنساني ومناشدات وتعاطف مع الأشقاء لإستقبالهم وفتح الحدود كنتيجة لظروفهم الصعبة، والأخرى إبقاءهم في الأراضي السورية بمخيمات يرعاها المجتمع الدولي وحماية قوات دولية ومساهمة الأردن في ذلك.
2. الحقيقة تقول أن الصراع الدائر في درعا على الأرض السورية هو بين السوريين أنفسهم؛ قوات النظام وفصائل وتنظيمات معارضه يربو عددها عن المائة، وبالطبع سوريا والشعب السوري هما الضحية.
3. الأردن يَستقبل حالياً أكثر من مليون ونصف لاجىء سوري بالرغم من الأزمة الإقتصادية الخانقة التي يعاني منها، في الوقت الذي عجزت الكثير من دول العالم أن تستقبل بضع آلاف منهم!
4. تجربتنا مع أفواج اللاجئين القسريين أن يبقوا داخل حدود أراضيهم في مناطق آمنة لأسباب يعرفها الجميع، وبالتالي يتحمّل المجتمع الدولي مسؤولياته تجاههم ولا تتحمل الدولة المستضيفة لهم أي تبعات إقتصادية أو سياسية أو أمنية.
5. الواجب الإنساني والأممي والأمني يمكن تقديمه على الأرض حتى لو بقي اللاجئون على أراضي بلدهم، وهذا فعلاً ما تم عمله على الأرض من خلال القوات المسلحة الأردنية 'الجيش العربي' إعتباراً من اليوم من حيث الإعاشة والمتابعة الصحية وغيرها.
6. بالمقابل القراءات الأمنية للوضع وفِي ظل ما يتعرّض له الأردن من ضغوطات سياسية وإقتصادية ومحاولات لتمرير صفقة القرن كلها تؤشّر لضرورة أخذ الحيطة والحذر من إستخدام بعض الخلايا النائمة لبعض الفصائل للعبث بالأمن الوطني الأردني في حال تم فتح الحدود حالياً، والدليل على ذلك إنتشار الكثير من الفيديوهات لفصائل في الداخل السوري تهدد الأردن في أمنه وإستقراره.
7. الخلايا النائمة لبعض الفصائل ربما تستخدم العبث بالأمن أو بالأفكار أو بالفكر المتطرّف وتعيد موّال الحركات الإرهابية أو تصدير الأزمات التي نحن في غنى عنها، مستغلّة حالات التعبير المطالبية الحضارية عن الرأي التي يعيشها الأردن ومواطنيه.
8. مطلوب في هذه المواقف العصيبة الوقوف مع الوطن وتغليب لغة العقل على العاطفة، فوضعنا الإقتصادي يئن ولا نريد مكوثه أكثر في غرفة الإنعاش، ووضعنا السياسي والأمني نُحسد عليه.
بصراحة: نتعاطف مع اللاجئين السوريين إنسانياً، ولم نقصّر تاريخياً في ذلك، لكننا نقف في خندق الوطن في الوقت الذي يتعرّض وطننا الحبيب لضغوطات من كل حدب وصوب في المجالات السياسية والإقتصادية والأمنية، وما تقوم به قيادتنا السياسية وأجهزتنا الأمنية هو عين العقل في هذه الظروف.