الملك استخدم الذخائر الاستراتيجية في واشنطن والإقليم
مثلث الدعم التقليدي حاول الضغط لتغيير المواقف والاستجابة للشروط
رفض التورط في سورية ورفض السيادة الإسرائيلية على القدس وإغلاق الحدود أمام اللاجئين
عمان - الأنباط – عمر كلاب
مفردة مغايرة للمألوف الدارج اليوم في صالونات السياسة والاعلام, استعملها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال استقباله الملك عبدالله الثاني في البيت الابيض, وهي "إعادة إطلاق المفاوضات بين الفلسطينيين والاسرائيليين"، أي أن ما يقال عن صفقة القرن جاهزة ليس صحيحا أو ليست في القالب الموضوعة فيه, كما يجري تسويقه على لسان هواة اقليميين وغربيين حسب تعبير عضو في مجلس الأعيان الأردني عن اللاعبين الجدد في المنطقة ورئيسهم كوشنر صهر الرئيس الأمريكي وجولاته في العواصم .
العين القريب من دوائر صنع القرار يسترسل في القول, بأن صفقة القرن هي نكتة سمجة من لاعبين إقليميين يسعون إلى الجلوس على المقعد الأول في بلدانهم, استثمرهم رئيس وزراء الكيان الصهيوني لتمرير مأزقه السياسي للخروج بأقل الخسائر, فهي جسره للفوز في الانتخابات القادمة ومجرد تقنية سياسية بالأبعاد الثلاثية, تجذب الأبصار لكنها دون مفعول وجدوى, فالشاب كوشنر تلاقت إرادته مع شبان في الملعب الإقليمي ينشطون بألعاب إلكترونية في سعي لفرضها على أرض الواقع, لكن نتيناهو يعلم جيدا أن المتسرب من الصفقة ليس أكثر من فقاعات لرفع شعبيته في شارعه المتطرف بدعم من الفريق الصهيوني في الإدارة الأمريكية .
زيارة الملك عبدالله إلى واشنطن لم تختلف أجندتها الإجمالية وإن تقدمت تراتبية قضايا على قضايا, بعد استشعار أردني بأن الولايات المتحدة أخلّت بدعمها للأردن كما كشفت تداعيات الربيع الأردني الذي كاد أن يتجدد في آيار الماضي, فالثالوث الداعم للدولة الأردنية "أمريكا, إسرائيل والسعودية" جلس متفرجًا على غليان الشارع وتفاعلاته, بل إن أحد أضلاعه كان ينتظر ما هو أخطر وضلع آخر كان ينتظر انحناءة أردنية كبرى وهو يتفرّج مستمتعًا, وضلع وحيد كان قلقًا بانتظار إشارة الضلع المستمتع, ما اضطر الأردن إلى استخدام ذخائره الاستراتيجية إن كان داخل أروقة الإدارة الأمريكية كما أشارت صحيفة روسية عن امتلاك الملك عبد الله أدوات تأثير في سياسة البيت الأبيض, أو بشبه استدارة سياسية حيال المحور التركي – القطري, من جهة وترطيب القنوات السياسية مع النظام السوري وحلفائه, فإيران ليست عدوا وحزب الله يمكن الوصول إلى تفاهمات معه .
خطوتان خطاهما العقل السياسي أثارتا ريبة الثالوث, فكانت مبادرة الأشقاء في الكويت شرارة لانتقال الضلع السعودي إلى الفعل في قمة مكة رغم محدودية الدعم, ثم مشروع قطري شبه ناجز بانتظار بعض التفاصيل واتصال من أردوغان, وارتفع حجم التفاعل مع الرسائل الأردنية أكثر بزيارة نتنياهو إلى عمان ثم زيارة الملك إلى واشنطن والحرارة في التصريحات والاستقبال والدعم, وإرجاع عقارب المشاريع السياسية إلى الوراء قليلًا, فرئيس وزراء الكيان أعاد الاعتراف بالوصاية وواشنطن بدأت تتحدث عن إطلاق المفاوضات, وتم تقزيم الصفقة إلى حدود الأثر الانساني في قطاع غزة, رغم خطورة هذا الأمر .
الاقتراب الأردني من سورية وملفها كان الأكثر تأثيرًا على المواقف, بعد أن بات هذا الملف أكثر الملفات حساسية للأردن, وأكثر الأوراق قوة في يديه, بدليل زيارة نتنياهو إلى عمان التي يجافيها منذ أمد, فقد حملت الزيارة كما يقول عارفون ملف الجنوب السوري فقط, مع تأكيد إسرائيلي على الوصاية, فالأردن بدأ بمقاربات سياسية مع الدولة السورية التي أرسلت استجابات إيجابية، وكذلك اللاعب الروسي الذي يرى في فتح معبر نصيب مصلحة روسية أيضًا, وفتح معبر نصيب هو الاسم الحركي لاستلام الجيش السوري الحدود مع الأردن، ولذلك أطلق وزير الخارجية أيمن الصفدي من واشنطن تصريحات ثابتة بخصوص إغلاق الحدود بوجه اللجوء السوري بفعل أحداث تحرير درعا, رغم ضغوطات أمريكية بفتح الحدود أمام اللاجئين وتخوفات أردنية من خطوة أمريكية ليست مستبعدة بتفكيك الوجود الأمريكي والخروج من الحدود الجنوب السوري .
الأردن أثبت أنه دولة ليست رخوة وتمتلك الكثير من الأوراق السياسية والإقليمية, وإنها قادرة على إيصال رسائل بالغة الدلالة والقسوة؛ ولكن على ورق سيلوفان, ولعل رسالة تكليف الدكتور عمر الرزاز بما يمثله من ظلال وإشارات كان أول الرسائل الإقليمية, بعد أن حُسم سباق التنافس بين ثلاثة أحدهم الرزاز لصالحه كرسالة بالغة الدلالة للجوار العربي والإقليمي فهو ابن منيف الرزاز بما يحمله هذا الاسم من ظلال على أُذن الإقليم .
تطورات الملف السوري في إيقاعاتها الحالية وبسط نفوذ الجيش السوري على المنطقة الجنوبية من سوريا ستمنح الأردن دون أدنى شك مساحة حركة أكثر اتساعا وستمنحه أيضا هامش مناورة إقليمي قد يلحقه استدارة متوازنة عن ثالوث الدعم التقليدي, بعد أن أثبتت لاءات عمان الثلاثة قوتها وقدرتها على الصمود والعمل المؤثر, فما زالت اللاءات في ملف التورط في سوريا ورفض السيادة على القدس وفتح الحدود في وجه اللاجئين قائمة ولا تراجع عنها .