وليد حسني
لا يفصل الحكومة الكثير من الوقت عن اول مواجهة لها مع مجلس النواب، هناك على خاصرة العبدلي ستجد الحكومة المكلفة نفسها في مواجهة تبدو مفتوحة تماما على كل الاحتمالات إلا احتمالا خرافيا واحدا وهو ان يحجب النواب الثقة عنها.
سيقضي النواب وقتا طويلا وهم يستعرضون كامل تفاصيل الفريق الحكومي، وسسيجد الكثيرون منهم ايجابيات عديدة ليركزوا عليها مقابل اخرين سينظرون الى سلبيات الفريق، وقد يذهب البعض لانتقاد مكياج احدى الوزيرات مثلا، وسيجد آخرون في عودة 15 وزيرا من حكومة السلف الصالح د. هاني الملقي امامهم مرة أخرى فيأخذون الصالح بجريرة الطالح، ولن ينجو الجانب الشخصي من النقد النيابي.
هناك على خاصرة العبدلي سيستمع الرئيس المكلف للعديد من الخطابات التي ستذكره بميراث والده النضالي والفكري، وسيحيله البعض منهم لما كان د. الرزاز نفسه قد كتبه قبل سنوات قليلة عن الدولة الريعية ودولة الانتاج وفيما اذا كان الرئيس المكلف قد استفاد مما ورد في دراسته اثناء تشكيله لحكومته، وما يمكن له ان يستفيده لاحقا في خلق وبناء استراتيجيات اقتصادية تسمح للدولة الاردنية بالخروج من سجن الدولة الريعية والمعونات الى فضاء دولة الانتاج.
والسؤال الذي يطرح نفسه ماذا يتوجب على الرئيس المكلف وفريقه الحكومي عمله استعدادا لمواجهة السلطة التشريعية التي كانت الى ما بعد تشكيل الحكومة مستهدفة هي الأخرى بمطالبة المواطنين والناخبين بحل مجلس النواب باعتباره شريكا للحكومة السابقة في تحميلهم اعباء اقتصادية تنوء بحملها الجبال.
لقد تم تعظيم التوقعات في هذه الحكومة المكلفة وتحديدا في شخص رئيسها مقابل قطاع اخر عريض لم يجد في الرئيس المكلف غير نسخة كربونية مستعادة من سلفه د. الملقي، وهو ما ادى بالنتيجة الى الانقسام الطولي والعرضي في اتجاهات المواطنين وتقييمهم للحكومة الجديدة.
من افضل ما اتخذته الحكومة من قرارات سريعة هي مباردتها فور تاديتها القسم الدستوري بين يدي جلالة الملك الاعلان عن سحبها للقانون الإشكالي المعدل لقانون ضريبة الدخل، لقد منح هذا القرار الحكومة دفقة تقدم ايجابية تحسب لصالحها تماما وقد ظهر ذلك في توجهات المواطنين على شبكة التواصل الاجتماعي التي يتقن الرئيس المكلف استخدامها وقد استخدمها بالفعل حين اصدر ما يشبه البيان التوضيحي الذي دافع فيه عن افراد حكومته نافيا التوزير القرابي والمصلحي والعائلي، وداعيا المواطنين للنقد البناء بعيدا عن اغتيال الشخصية واشاعة المعلومات غير الدقيقة عنه وعن حكومته المكلفة.
على الرئيس المكلف اتخاذ العديد من القرارات التي ستعبد له الطريق امام مجلس النواب لاجتياز اختبار الثقة، وقبل ذلك استقطاب المزيد من الدعم الشعبي له في إطار سياسة اعادة بناء الثقة بين الحكومة والمواطنين وهذا ما يتوجب على الحكومة عمله وانجازه سريعا دون تلكؤ او تباطؤ او تراخ، على نحو اتخاذ قرارات تتعلق مباشرة بالحياة اليومية المعيشية للمواطنين مثل ضبط مسلسل الاسعار المرتفع، واعادة ضبط تسعير المحروقات، والاعفاءات الطبية باعادتها الى سابق عهدها بما فيها علاج امراض السرطان، وقد يكون مطلب النواب باصدار عفو عام أحد ابرز ما يمكن ان تقدمه الحكومة من قرارات للنواب وللمواطنين معا.
بين يدي الحكومة فرصة لم تمتلكها الكثير من الحكومات قبلها تتمثل في كونها لا تزال تحظى بنوع من التفاؤل الشعبي قد يصل لدى البعض الى حد الثقة، وهو مزاج شعبي واضح، وعلى الحكومة البناء على هذا المزاج وتعزيزه بالوقوف بكامل الاحترام امام هذه المطالب وتحقيقها..
الثقة النيابية ستحصل الحكومة عليها ولن تعدم الوسيلة في اجتياز هذا الإختبار الدستوري، لكن المهمة الأصعب هي في كيفية اعادة بناء الثقة بين المواطنين والحكومة وهي المهمة الأكثر خطرا وصعوبة والأكثر أهمية من ثقة النواب، وعلى الحكومة الاجتهاد لتحقيق ذلك...//