بهدوء
عمر كلاب
الحكومة بين المأزق والصراع
لم اعلم ان الاردنيين الذين اغلقوا شوارعهم احتفالا بفوز ديانا كرزون بلقب سوبر ستار العرب قبل سنوات , واطلقوا الرصاص ابتهاجا بهذا الفوز , سيكون لهم موقف سلبي من الفن عموما والتمثيل على وجه الخصوص حتى تصبح هذه المهنة الراقية مجالا للانتقاص حتى من كفاءة الزوج وأحقيته في الجلوس على مقعد حكومي وثير , كما حصل مع الانتقاد الموجه للوزير الشاب مثنى الغرايبة بحكم ان زوجته تعمل في مهنة التمثيل وبالمناسبة هي ممثلة مبدعة وراقية , الذي يستحق الانتقاد هو مثنى نفسه , وعلى اسباب منهجية لها علاقة بسيرته المهنية وليس لاي سبب آخر غير ذلك , هذا ان في كان سيرته المهنية كمهندس اتصالات ما يستوجب النقد , تماما هو الحال مع الوزيرة بسمة النسور التي تعرّضت لانتقادات ليس لها علاقة بالملف الثقافي ومدى امتلاكها لمشروع ثقافي قادر على مواجهة ثقافة التطرف والعنف , تحديدا وان وزارتها مسؤولة عن ملف مكافحة الارهاب والتطرف , وحول سيرتها المهنية ايضا اثناء عملها في امانة عمان ومشروع مجلة تايكي , ومتى صدر آخر عدد من المجلة ذاتها , ولعل النقد القاسي وغير اللائق الذي تعرضت له , يدفعها الى تقديم ملف الثقافة والنقد على اي ملف آخر , لأن هذا الملف على اهميته متاخر في التراتبية الرسمية , بل ومنبوذ ايضا .
الجدل الاجتماعي والسياسي الدائر اليوم حول حكومة الدكتور عمر الرزاز , يكشف مدى العوار السياسي والاجتماعي في البيئة الاردنية التي باتت غير قابلة لاي مخالف , فانسحب غضب الجمهور على التشكيل الحكومي البائس على شخوص اعضاء الفريق , ورغم طرح الكثير من المبررات حول احقية نقد الشخصية العامة وكشف كل اسرارها الا ان الاستخدام لهذا الحق يجري بتعسّف شديد , يطال مساحات محرمة في الفقه الانساني , فالاعراض كما الدماء محرمة بكل الشرائع والقوانين , وعلينا كمجتمع ان نستيقظ من غفوتنا لمقاومة هذا النهج المرعب , ليس بوصفه اعتداء على الانسانية , بل بوصفه تكريسا لسلوك تدميري للمجتمع وقيمه , ويرجع السبب الاساس فيه الى ضيق صدر الحكومات وعجزها عن مواجهة النقد والناقدين , فخلقت سلوكا ثأريا يقارب الشيطنة لكل ناقد ومخالف فتكرست ثقافة الاعدام الاجتماعي وغابت ثقافة النقد وبالتالي غابت مساحة تقبّل الاخر وثقافتها .
الذي يستحق النقد في حكومة الرزاز وما سبقتها من حكومات , هو تقديم الاقتصادي على السياسي , فحتى الدكتور عمر الرزاز وقع في هذا المأزق رغم معرفته العميقة بضرورة تقديم السياسي على الاقتصادي , لكن تيار الاقتصاد جرفه بعيدا عن سبب الازمة , فكل ما نعانيه ناجم عن اختلال منهجي بتقديم الاقتصادي على السياسي , منذ الارتداد الديمقراطي عن مخرجات هبة نيسان واطلاق الحريات الحزبية والانتخابات في ذلك العام , وطبعا اصبح الارتداد عن الاصلاح السياسي ثقافة رسمية ونهجا تمارسه السلطة بيقين ودون كلفة سياسية او شعبية , فصارت الهوية الفرعية اعلى من الهوية الوطنية ان بقي من الهوية الوطنية شيء , وانحرفت البوصلة من بناء مجتمع على اسس المواطنة لبناء تكوينات عشائرية ومناطقية , بحكم ان هذه التكوينات اقل كلفة على السلطة من التكوينات السياسية , ومجددا وقع الرزاز اسير هذا الخلط المتعمد والمقصود من طبقة الحكم التي تسعى الى تأبيد سلطتها , فبات الرزاز اليوم في مأزق وصراع , مازق مع الشارع الشعبي , وصراع مع ديناصورات السلطة ولكن دون ظهير وسند// .
omarkallab@yaho.com