بهدوء
عمر كلاب
محطة رئيسة يجب ان يقف عندها الرئيس المكلف ، ليس بوصفه احد منتجاتها كما تقول اتهامات موتورة ، بل بحكم مفصلية هذه المحطة وارتداداتها على اللحظة الراهنة ، قبل العمل على تفريغ كتاب التكليف السامي بخصوص مراجعة الوعاء الضريبي والتنشيط السياسي للمجتمع الاردني ، تحديدا قطاع الشباب الذي نجح في ازاحة حكومة وقدوم وزارة من وحيه ومن حركته ولا احد غير الشباب له الفضل ، ثمة محاولات خجولة يقوم بها سياسيون واقتصاديون لمراجعة النهج الاقتصادي والسياسي الذي ساد الاجواء الرسمية خلال الاعوام 2004- 2008 والذي تم وصفه بزمن الديجتال او مرحلتهم الاردنية , وعلى اهمية المرحلة وتداعياتها اللاحقة التي حفرت عميقا في العقل السياسي الاردني والسلوك الاجتماعي الا ان احدا لم يتصد لمناقشة تلك الحقبة ونتائجها , بصورة شمولية وليس بشكل مستقطع او انتقائي , فثمة موقفان من الحقبة احدهما مؤيد وداعم وهذا خفت صوته مع انتهاء تلك الحقبة واخرون هاجموها وما زال صوتهم عاليا في الهجوم بحكم المتشكل في الوعي الجمعي وقبول الرأي السائد منطق الهجوم على تلك الحقبة وشخوصها .
مؤخرا وبعد ارتفاع المديونية وتراجع الدخل الوطني العام وتراجع مستوى المعيشة للاردنيين خرجت اصوات تقارن بين المرحلتين او الحقبتين , تارة تتوسع المساحة الى مناقشة العشرية الاولى من القرن الجديد وتارة تختزلها الى السنوات الاربع او الست السابقة لمرحلة الربيع العربي , وكل النقاشات محصورة في الدلالة الرقمية او المستوى الاقتصادي للسنوات تلك , وبالاستناد الى الدلالة الرقمية فإن تلك الحقبة ناجحة بإمتياز حتى الانهيار العالمي في 2008 , التي عانى العالم كله من انتكاسة الاسواق المالية واسعار العقار وكان الاردن الاقل تأذيا من تلك الحقبة كما قالت رئاسات البنك المركزي بل وصلت التصريحات الى القول ان الاردن لم يتأثر بالازمة وهذا قول تم التراجع عنه وبقي الثابت ان نظامنا المصرفي على الاقل صمد في وجه الازمة فيما تراجع سوق العقار الى حد التوقف وانهيار شركات عملاقة .
الاستكانة الى الدلالة الرقمية مقبولة ولكن دون اسقاط ان المرحلة الكونية كانت سائرة في ذلك المسار " الخصخصة وارتفاع اسعار العقارات والرهون العقارية " والنجاح الرقمي الذي تحقق كان سيتحقق بهم وبدونهم , فقبل تلك الحقبة كانت حكومة علي ابو الراغب تحقق انجازات رقمية عالية سواء في مستوى الدخل او في عجز الموازنة دون المساس بالموجودات الوطنية بالكمية والكيفية التي مارستها تلك الحقبة ورجالاتها , ورغم كل النجاحات الرقمية الا ان مستويات البطالة لم تنخفض ومستوى التعليم الجامعي انخفض والتمكين البشري تراجع لصالح الريعية المبطنة التي مارستها تلك الحقبة .
على الجانب السياسي والبشري لم تلتفت تلك الحقبة الى التنمية السياسية رغم انها اول من اعلن ولادة وزارة التنمية السياسية التي تحولت الى تكية سياسية تنشط احيانا بفعل عوامل ذاتية للوزير الجالس على مقعدها الاول وتفتر بفتوره , ولا ننسى ان اعلى نسبة تزوير في انتخابات عامة وقعت في تلك الحقبة حصرا , اي ان الجانب السياسي كان غائبا او متواريا خلف ستارة الاقتصاد الذي كان يحقق علامات نجاح كونية وليس علامات نجاح وطنية , فكل المشاريع الانتاجية كانت غائبة لصالح مشاريع الخدمات وتحولنا الى نمط استهلاكي نعاني منه حد اللحظة .
محاكمة تلك المرحلة ضرورية ومراجعتها مهمة حتى لا تضيع الحقائق وسط زحمة الارقام ودلالتها , والجَور في تحميل تلك الحقبة كل ازمات الدولة كذلك فيه ظلم واضح لعبت فيه عوامل كثيرة ومتداخلة , كما ان وضع كل رجالات الديجتال في خانة واحدة ليس صحيحا وليس علميا , فتلك الحقبة شهدت انجازات ليست قليلة على صعيد الاتفاقيات التجارية الكونية ونجحت في ادخال الاردن اسواق العالم بسهولة ويسر ولكننا لم ننجح في الحفاظ على هذه الميزة بعد ان تزامن دخول الفساد بشراسة مع دخول الاستثمارات وتلك قصة يجب مراجعتها بعناية , فقد تورط كثير من رجال الدولة فيها سواء بالعمل عند القطاع الخاص او بالتحول الى ممثل القطاع الخاص داخل الحكومة دون ادنى جهد في ترسيم علاقة تشارك حقيقية مع هذا القطاع الحيوي والضروري وللحديث بقيات .//