بهدوء
عمر كلاب
ما أن يتخلص المشهد السياسي من ثنائية حتى يتورط في ثنائية جديدة , وميسم الثنائيات الاردنية انها , لا تخضع لمنطق علمي وليست محكومة بظواهر سياسية او مستجيبة لظواهر نيوتن في الفعل وردة الفعل , فجأة تنبت ظاهرة الحرس القديم والحرس الجديد , ثم تتطور الى ظاهرة الديجتال والانالوج , والان الاحزاب والنقابات المهنية وربما تتوالد الثنائية من ثنائية كما الارانب فالسياسة الارنبية موجودة وراسخة فنحن نعيد توليد الاشياء ولم ننجح للآن في تخليق ظاهرة واحدة , فالاختبار الحقيقي , ليس في تجديد الوجوه , بل في تجديد السلوك والمنهج , فالسائق الشاب لن يفرض شبابه على سيارة قديمة ومترهلة ولن يسعفه شبابه في زيادة سرعتها او تسعفه عضلاته في دفعها الى اجتياز المسافات .
التغيير او الاصلاح وفق هذا المنطق سيوّلد صدمة للشارع الشعبي , لأنه لن يلمس تغييرا جوهريا كما يطمح , والنتائج محسومة سلفا , لم ننجح في تغيير المدخلات السياسية حتى نحقق تقدما او تغيّرا في المخرجات , ورفع مستوى الامل لدى الشارع او تعديل مزاجه حيال المستقبل السياسي محاط بظلال الشك , فعودة مجلس النقباء او النقابات المهنية الى صهوة حصان المعارضة لم يحقق التغير المنشود في السلوك على الاقل , حيث عاد المحتجون الى نفس المسلكيات القديمة من اشعال اطارات وتخريب ممتلكات , ولا اميل الى وصفهم بالمدسوسين كما تراهم اجهزة الدولة ووزير الاعلام , فهم مجرد غاضبين من اوضاعهم الصعبة واوجاعهم صادقة وربما يفيضون وطنية اكثر من غيرهم رغم ادانة سلوكهم العنيف .
الحديث عن ثقافة وسلوك وتربية سياسية وتقاليد عمل عام , جرى استباحتها والاعتداء عليها من الجميع دون استثناء , فاليساري اول من اطلق التخوين والاسلامي اول من اطلق التكفير , قبل ان تتلاصق المصطلحات والبرامج وتتنوع التحالفات والمراجع , فكلنا تربينا على الانا القاتلة سواء الانا الفردية او الانا الجمعية الحزبية او السلطوية , والسلطة كانت دائما ممسكة على هذه الثقافة , تدعمها وتبني لها السدود من اجل الضخ الدائم وعدم انقطاع المياه عنها فالمهم ان نختزل المشهد في ثنائية , فيصلي وحدات , ولو تراجعت هذه الثنائية فسنجد غيرها .
لا اخفي سعادتي يوم الاربعاء الماضي , حين رأيت مجتمعا مدنيا يتشكل من رحم الاضراب , ورأيت حلما يداعب وطنا للخروج من عنق الزجاجة العشائرية والمناطقية والجهوية والاقليمية , رأيت خروجا عن مألوف الربيع العربي وحراكاته الشارعية , فلا يوجد تكوين غائب عن الشارع , ولا يوجد قلق من عابث يرمي شعارا او زجاجة او رصاصة , لكن سلوك الاربعاء سرعان ما تحول الى ما يشبه الصداع الوطني , بعد ان ارتبكت النقابات المهنية نفسها من نجاح الاضراب ولم تصدق انها عادت الى الواجهة بكل هذا الالق والبهاء , وبدل ان تجلس لتضع خارطة طريق ومشروع استدامة لمواجهة مدنية لتحقيق المطالب الشعبية وليس النقابية فقط , جلست تستمتع بالنجاح وتتقاسمه كل حسب نسبته في الاعلام ولاحقا استثماره لتحقيق مكاسب شخصية بلقاء هنا او تسوية هناك .
ثنائية النجاح والاستدامة لم ننجح في تخليقها داخل مجتمعنا ولم ننجح في انتاج ثنائية القيادة والزعامة , واخشى اننا وصلنا الى ان ينطبق علينا المثل " من قلّة الخيل اسرجنا على ... سروج " , فما يحدث بعد اضراب الاربعاء اشبه بكابوس والسبب ان النقابات استعجلت قيادة الشارع دون برنامج عمل ودون مشروع استدامة .//
omarkallab@yahoo.com