بهدوء
عمر كلاب
لم يطوِ التاريخ صفحتهم بالهزة والهزيمة الكبرى في الوزارة العباسية , بل اعادوا عملية التكاثر من جديد , نبت شيطاني ينمو ويترعرع , مالا ونفوذا , كلما تحسّ انهم انقرضوا يطلعون من جديد , نفس الملامح ونفس القسمات , ولربما كانوا من نفس الجذر المكاني الذي نبتت فيه الوزارة العباسية اقول ربما .
يهبطون على المنصب ويسعون اليه , فكان نافذتهم نحو المال الذي اعاد انتاجهم كلما اهتزت المقاعد من تحتهم , وهكذا دواليك مال ثم منصب وبرمكي يسلم برمكيا اخر مقعده , وكأننا في سباق للتتابع ركض يتلوه تسليم العصى , لكنهم هذه المرة ربطوا في عصاهم جزرة لاصحاب النفوس المريضة من البرامكة انفسهم , او من القطط الطامحة اما بالسمنة او بالمال الوفير الذي وضعوه في خدمة سياستهم .
لا يملون القفز على الاوجاع واستثمارها , ولا يشبعون من المال والجاه , وباي ثمن نقدا كان او شيكات داخل السور او خارجه , القصة الان ان البرامكة وسعّوا دائرة التحالف ولا يكتفون بالمحلي من الاتباع , بل لهم في الخارج من يسندهم , فالبرمكي الجديد لا يكتفي بما وصل اليه فهو يطمع بالمزيد دون الالتفات الى الثمن المدفوع دما او نقدا جغرافيا او تاريخا ولا مانع من تمزيق الاطلس كله اذا لزم الامر .
التاريخ الذي اطاح باجداده اعاد قراءته وفقا لظروف اللحظة وضعف الامبراطورية الرومانية سابقا لم يعد عامل ضعفه بل ان روما الجديدة تطرق الكون كله برمشة عين ولذا اشرع معها الابواب وفتح لها كل الخلايا الدماغية ومارس بها الاستقواء على الوطن بتراكيبه وتلاوينه المهم قوته هو لا غيره .
الدنانير التي وضعت لتغذية المشروع السياسي تتفاعل في البورصة والانشاءات والحماية وكل ما يعيد لها الدورة والتكاثر وفروقات االعملة تكفي لشراء الاصوات اللازمة للنجاح في كل مرة فالناس حاجات والنفس امارة بالقبض فلا قبض لهم دون القبض علينا .
يستطيعون تزوير التاريخ وتغيير حدود الجغرافيا فالكتبة جاهزون وامراء الحديث الاموي قادرون على الانشاء من جديد والثمن ليس تعبئة الفم ذهبا ,بل ذهب وسلة عملات لها اول وليس لها اخر , ولا مانع من استخدام النفوذ في منح بعض المناصب لكل طالب منصب وسلطان ولكل راج للسيارة الحمراء فما مِن راغب بنصر رخيص الا ومعهم انتصر .
لكنهم مثل اجدادهم اغفلوا ان هارون الرشيد لم ينقطع نسله بل ازداد هذا النسل قوة وصلابة وعشق اناس بايعوه على الدم لا على الذهب واحاطوه بسياج من المقل لا من الديباجات الصالحة لكل زمان وانصاف رجال , نذكرهم بما كان فالتاريخ قد يحني سنامه في دورة لكنه لا يبقى كذلك ابدا.
هارون الرشيد , مسلسل يتم عرضه في رمضان المبارك على اكثر من شاشة فضائية عربية , مسلسل وصلت احداثه اليوم الى بداية الاطاحة باحلام البرامكة الذين كانوا حاشية هارون الرشيد , فقد توسع حلم البرامكة , ولعل مقالتي سيتم تأويلها بأنها مقصودة , لذلك اعلن بأن أي تشابه بين مضمون المقالة وبين طبقة سياسية موجودة بين ظهرانينا او موجودة في اي عاصمة من عواصم الطوق على وجه التحديد , هو تشابه مقصود تماما , وتحديدا البرامكة الذين يستفحلون بين اصابعنا وبين مناصبنا , وكل برمكي منهم يحظى بمرضعة سياسية خارجية وداخلية واكثر .//
omarkallab@yahoo.com