بهدوء
عمر كلاب
باستثناء صور الشهداء وملصقات ثورية ومقاعد جلية وثيرة , لا تحتوي مكاتب المنظمات الفلسطينية على اي مشهد حقيقي للنكبة , لتبقى صور الشهداء وملصقات المناسبات الوطنية هي الشاهد الوحيد على نكبة الشعب الفلسطيني الذي قدم زينة شبابه للثورة التي قطف ثمارها الموظفون بمرتبة ثوّار , فكل محصلة العمل الثوري الفلسطيني اصبحت مجرد بوسترات صفراء ومفاتيح يعلوها الصدأ واسلحة طازجة وعفيّة تطلق النار على الاخوة , لمنح العدو فسحة تفكير بمجزرة جديدة وبعض اغتيالات ومستوطنات وتنازلات متصلة .
منذ الاغنية الاولى للقائد الرمز والامين العام المظفر وبعض اغان لقطع السلاح التي يستخدمها الثوار , دخل العمل الفلسطيني في نفق الوظيفة الثورية والتوظيف الفصائلي , فما من ثورة خلّدت اسلحتها بالاغاني كما فعلت الثورة الفلسطينية , ولا اظن ان الاتحاد السوفييتي الراحل لديه اغان عن الكلاشينكوف وال م ط وباقي الاسلحة كما لدى الثورة الفلسطينية , التي اكتفت بالغناء للكلاشينكوف وتركت النصر للخصوم , ورحلت القصيدة المقاومة والرواية والقصة القصيرة , فكل عمل ادبي لا يصلح للغناء تجاوزته الثورة وموظفوها .
منذ فجر الازمة والانقسام حاضر في المشهد الفلسطيني , منافسا في حضوره دم الشهداء , منذ الحاج امين الحسيني وحكومة عموم فلسطين بزعامة احمد حلمي عبد الباقي , مرورا بانشقاقات فصائلية تعجز اصابع اليدين عن حصرها داخل التنظيم الواحد , فتحولت الفصائل الى افخاذ وعشائر ولاحقا انتصر التقسيم على الجغرافيا الواحدة والدم الواحد , فصارت غزة ركنا مكينا والضفة فضاء مفتوحا , وربما نبني في غزة غدا نموذجا او مجسّما للمسجد الاقصى كما فعل الامويون ذات تاريخ مليء بالدم والاغتيالات ونقلوا الحجيج الى الاقصى بعد عصيان مكة والمدينة .
لا ندري بأي عين او لسان يمكن ان نواجه ابناء وزوجات الشهداء بعد ان تركناهم فريسة سهلة لاسنان وحش الحياة وتفاصيلها , ولست متيقنا ان كان ابناء الشهداء مؤمنين بما قام به الاباء , طبعا اتحدث عن الشهداء البسطاء الذين صدّقوا اغاني الثورة ولا اتحدث عن الشهداء الذوات الذين نجحت الثورة في تعليمهم بأرقى الجامعات وما زالوا على عهدهم مع الاناقة والالبسة الثمينة والبيوت الفارهة والسيارات ذات الدفع الرباعي , فحتى الشهداء عاملهم الموظفون في قطاع الثورة على المقياس الطبقي ورتبة الاب قبل الاستشهاد او الاغتيال , فالبوستر كان جاهزا للشهيد وللعميل على حد سواء .
كل ما تبقى من الثورة بعض صور ومفاتيح يعلوها الصدأ ومخيمات هرمة وقيادات لم تطلق رصاصة واحدة , وصفحات افتراضية تمارس الضوضاء في المناسبات والافراح الوطنية , لم يتبق الا الخيبات والامراض المستعصية , والبحث عن قارب يحمل اللاجئين الى ديار الغربة من اجل مخيم اكثر شبابا وقطع بسكويت لم تتعفن وهوية بلد جديد قد يكون اكثر دفئا من البلد الاصلي .
النكبة اليوم تحمل دلالتها العميقة بارقام الشهداء المتسارع مثل عداد البترول, فالحالة الفلسطينية تتكور على الحالة العربية في وضع مشين , والتسابق اليوم على ارضاء المحتل بعروض استربتيز سياسية وتنزيلات كاسحة لكل الثوابت والقرارات الدولية والقومية والفلسطينية , فنحن في زمن العروض المجانية على الاوطان والافراد .
كل ما تبقى لنا ليس مريم كما قال الشهيد غسان كنفاني , فمريم اليوم لاجئة في بلد اجنبي او ترتدي ثوبا ممزقا وتحمل مفتاحا يعلوه الصدأ وتظهر في كل عام على شاشات التلفزة هي ومفتاحها .//
omarkallab@yahoo.com