البحر الميت -بترا
رفع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية توقعاته الاقتصادية لعام 2018 مع استمرار حالة التعافي على نطاق واسع في جميع مناطق عمليات البنك، والمدفوعة بزيادة حجم النشاط الاستثماري وارتفاع الصادرات.
وبعد معاناة شديدة خلال الأزمة المالية العالمية، واجهت البلدان التي يستثمر فيها البنك صعوبة في العودة إلى مسار النمو في بادئ الأمر، ولكنها ما لبثت أن تمكنت من التعافي خلال عام 2017.
وفي ظل النمو الحاصل في جميع اقتصادات البلدان المدرجة ضمن مناطق عمل البنك، يتوقع تقرير "التوقعات الاقتصادية الإقليمية" الجديد الصادر عن البنك أن يصل متوسط معدل النمو 3ر3 في المائة خلال عام 2018، أي بزيادة قدرها 3ر0 في المائة عن التوقعات الصادرة في تشرين الثاني الماضي.
وتوقع التقرير الذي صدر على هامش الاجتماعات السنوية لمجلس محافظي البنك الاوروبي لاعادة الاعمار والتنمية المنعقدة في منطقة البحر الميت امس الاربعاء، أن يصل متوسط معدل النمو 2ر3 في المائة في عام 2019.
وقال التقرير إن الزخم الاقتصادي ما يزال قوياً ولكن قد يكون النمو قد وصل الآن إلى ذروته.
وتدلل التوقعات لعامي 2018 و2019 على احتمال حصول تباطؤٍ في النمو عن مستوى 8ر3 في المائة المسجل في عام 2017، وهو ما يعكس انخفاض معدلات نمو الإنتاجية في الاقتصادات المتقدمة والناشئة مقارنة بالمستويات المسجلة قبل أزمة 2008-2009، فضلا عن الاتجاهات السكانية السلبية.
وفي هذا الصدد، قال كبير الاقتصاديين في البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية، سيرجي غورييف، إن انخفاض نمو الإنتاجية يعكس حقيقة مفادها أن معظم الاقتصادات التي يعمل فيها البنك قد استنفدت العوامل التي أدت إلى زيادة معدلات النمو حتى بداية الأزمة.
وأضاف غورييف "من أجل تطوير مصادر جديدة للنمو، يتعين على هذه البلدان إجراء إصلاحات هيكلية لأسواق المنتجات والمال والعمالة، كما ينبغي عليها تحسين الإدارة، وتعزيز الاندماج في الاقتصاد العالمي، والاستثمار في رأس المال البشري والبنية التحتية المستدامة".
وقال إن الجيد في الأمر هو أن حالة الانتعاش الحالية توفر فرصاً قويةً لتنفيذ هذه الإصلاحات.
ويتتبع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية الاتجاهات الاقتصادية في 37 اقتصادا عبر ثلاث قارات، من إستونيا إلى مصر ومن المغرب إلى منغوليا.
وأشار التقرير إلى أن التوقعات مرهونة بعدة مخاطر، حيث شكلت الزيادة الكبيرة في مستويات الديون لدى الشركات مصدرا للقلق، لأنه لم يتم حتى الآن اختبار قدرة قطاع الشركات على التكيف مع أي تشديد كبير في شروط التمويل العالمية.
وقال التقرير إنه رغم أن ارتفاع مستويات أسواق الأسهم في مناطق البنك، والتي تبعت على نطاق واسع تقييمات اميركية لم يكن لها مثيل منذ فترة ما قبل انهيار سوق الأسهم الأميركية عام 1929 أو في ذروة فقاعة الإنترنت في عام 2000، كانت مؤشراً على التفاؤل، إلاً أنه كان هناك خطر حدوث حركة تصحيح هبوطي كبير في حال تغير مزاج السوق.
وأوضح التقرير "في ظل محدودية المساحة المالية المتوفرة والتشديد الكبير في السياسة النقدية، قد يكون لدى الحكومات القليل مما يمكن أن تفعله للتصدي إلى أي انخفاض كبير في ثقة السوق".
وكان من بين الأمور الأخرى الباعثة على القلق تزايد الانجذاب إلى الأحزاب الشعبوية في بيئة من النمو المعتدل وتصاعد مستويات عدم المساواة، بحسب التقرير.
وبيّن التقرير أن هذه الأمور "ستصعب من عملية تنفيذ إصلاحات هيكلية أعمق".
وحذر من أن أي تصعيد إضافي في التوترات التجارية قد يكون له تداعيات كبيرة بالنسبة للمصدرين الرئيسيين للسلع الصناعية.
وشملت قائمة المخاطر الأخرى التهديدات الأمنية المستمرة والتوترات الجيوسياسية بالإضافة إلى درجة عالية من تركيز مصادر النمو العالمي، حيث تستحوذ الصين على ما يصل إلى نصف إجمالي معدل النمو.
ومن المتوقع أن يتراجع النمو في منطقة أوروبا الوسطى ودول البلطيق تدريجيا، من 3ر4 في المائة في عام 2017 إلى 8ر3 في المائة في 2018 و3ر3 في المائة في عام 2019، حيث يعيق نقص العمالة الماهرة إمكانات النمو على المدى المتوسط في أوروبا الوسطى.
وفي جنوب وشرق أوروبا، من المتوقع أيضا أن يتراجع زخم النمو لكنه سيظل قويا عموما، حيث سينخفض متوسط النمو من 1ر4 في المائة في عام 2017 إلى 6ر3 في المائة في عام 2018 و5ر3 في المائة في عام 2019.
في رومانيا، يتوقع أن يتراجع النمو الاقتصادي تدريجيا من نسبة قاربت 7 في المائة في عام 2017، عندما ساهم التوسع في السياسة المالية وارتفاع الأجور في دفع النمو. ويتوقع أن يعاود النمو الرجوع إلى مستويات أكثر استدامة عند مستوى 6ر4 في المائة في عام 2018 و2ر4 في المائة في عام 2019.
ومن المتوقع أن تكتسب حالة التعافي في اليونان مزيدا من الزخم التدريجي، بعد موسم سياحي ممتاز في عام 2017 وارتفاع معدلات التوظيف.
ويرى البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية أن اتجاهات الاستثمار والتوظيف والثقة ستواصل تحسنها خلال عامي 2018 و2019، مما سيرفع معدل النمو إلى 2ر2 في المائة في 2018 و3ر2 في المائة في عام 2019.
ويواصل النمو الاقتصادي في أوروبا الشرقية والقوقاز مساره التصاعدي من 3ر2 في المائة في عام 2017 إلى 3 في المائة في عام 2018 و 3ر3 في المائة في عام 2019، ويعكس ذلك بصورة رئيسية الانتعاش المستمر في أوكرانيا. ومن المتوقع أيضا أن يشهد النمو الاقتصادي في أذربيجان ارتفاعاً تدريجياً مع استقرار إنتاج النفط.
أما بالنسبة لتركيا، فمن المتوقع أن يتراجع النمو من 4ر7 في المائة في عام 2017 إلى 4ر4 في المائة في عام 2018 مع تلاشي تأثير حزمة التحفيز المالي، والتوقع بتراجع الطلب المحلي في ظل القيود المفروضة على نمو النشاط الائتماني.
وقد يسهم ارتفاع الصادرات في التخفيف من تبعات مما سبق جزئيا، وذلك بفضل انخفاض قيمة الليرة التركية وارتفاع الطلب في أسواق التصدير الرئيسية، ومن المتوقع أن يواصل النمو تراجعه بشكل أكبر خلال عام 2019.
في روسيا، يتوقع أن يظل معدل النمو ثابتاً عند مستوى 5ر1 في المائة في عامي 2018 و2019، في ظل ضعف النشاط الاستثماري واستقرار أسعار النفط أو انخفاضها إلى حد ما.
أما في منطقة آسيا الوسطى، فمن المتوقع أن يشهد النمو تراجعا من 8ر4 في المائة في عام 2017 إلى ما يقارب 5ر4 في المائة في عامي 2018 و2019، ما يعكس بشكل جزئي انخفاض مستوى نمو أسعار السلع، والحاجة إلى إجراءات لتصحيح الوضع المالي.
كما يتوقع التقرير أن يرتفع النمو الاقتصادي في منطقة جنوب وشرق البحر المتوسط من 7ر3 في المائة في عام 2017 إلى حوالي 4ر4 و8ر4 في المائة في 2018 و2019 على التوالي، مدفوعا بزيادة الطلب الخارجي، وزيادة النشاط الاستثماري، وتحسن القدرة التنافسية، فضلا عن الانتعاش في قطاع السياحة بفضل الجهود الرامية إلى منع وتخفيف أثر المخاطر الأمنية الإقليمية.