يكفل دستورنا حق التعبير عن الرأي للمواطنين ولايملك أحد القدرة على مصادرة هذا الحق فهو امتياز أصيل لأبناء الوطن تعزز وتعمق مع الممارسة عبر العقود التي انقضت منذ قيام الدولة وقبلها الإمارة.
وقد تعارف الأردنيون عبر تلك العقود أن التعبير عن الرأي – باعتباره حقا راسخا- يتوقف عندما يتعلق الأمر برموز الدولة وجيشها وأجهزتها الأمنية، إذ أن ذلك أحد أهم متطلبات الاستقرار والأمان للدولة والمواطن، فتجاوز تلك الخطوط الحمر التي استقر رأي الأردنيين عليها يضعف هيبة الدولة ويجعلها مثل سفينة في مهب الريح ويعرضها لأخطار وجودية، إضافة إلى أنه يخلق انقسامات خطيرة في المجتمع من شأنها أن تضعف وحدته وتجعله مكشوفا أمام أعدائه.
ولايماري أحد أننا نمر بظروف إستثنائية في المنطقة، وأن الكثير من الدول أصبحت أثرا بعد عين وأن العواصف السياسية لم تهدأ، وقد تكون الشهور القادمة حبلى بالكثير من التطورات على صعيد المنطقة التي لايمكن لأية دولة أن تواجهها إلا بوحدة الصف والوعي وتغليب الصالح العام على أية اعتبارات أخرى.
ومع هذا فإن من حق أي مواطن أن يعرب عن رأيه برفض الإجراءات الحكومية الأخيرة المتعلقة برفع أسعار بعض السلع مثلا فهذا حق مكفول لأي مواطن، فلايوجد حظر على هذا الحق الدستوري الأصيل. ولكن تجاوز ذلك بالتطاول على رموز الدولة وجيشها ومؤسساتها الأمنية لايندرج تحت حرية التعبير عن الراي من قريب أو بعيد، ويجب أن تدرك تلك الفئة القلية التي اقترفت ذلك أنها – بأفعالها هذه – إنما تعرض استقرار الوطن كله للخطر وأنها تسير في طريق يشكل وبالا علينا جميعا ويهدد مصالح الدولة والمجتمع، وأن السكوت على هذه التجاوزات أمر غير مقبول ولايقره السواد الأعظم من الأردنيين الحريصين على بقاء وإزهار دولتهم التي بنوها بالكد والجهد والعرق.
إن المشكلة الأساس التي تسببت في خلق بعض اللغط فيما يتعلق بالإجراءت الإقتصادية الأخيرة قد تكمن في عدم وصول الرسائل بشكل كاف أو صحيح لشرائح واسعة من المواطنين، إضافة إلى التضارب في هذه الرسائل. فما يزال بعض الناس يعتقدون – ومنهم مسؤولون سابقون شاركوا في صياغة تلك الإجراءات! – أنه كان بالإمكان تجنب الكثير من تلك القرارات.
إن مايعنيني هنا هو الإشارة إلى أن ضعف الرسائل وتضاربها قد يكون احد العوامل التي وفرت البيئة الملائمة لمثيري الفتن من خلال بث الإشاعات وأنصاف الحقائق. ولو كان المواطن محصنا بالمعلومة الصحيحة لهب هو في وجه هولاء وأوقفهم عند حدهم.
وقد أحسن رئيس الوزراء د.هاني الملقي صنعا بمحاورة بعض الشباب مع عشرين وزيرا في المدينة الرياضية منذ أيام، فهذه خطوة في الإتجاه الصحيح لشرح الرسائل وتوضيح المواقف بشكل مباشر. والمطلوب أن تتسع هذه الحوارات لتغطي كل القطاعات وجميع محافظات الممملكة.
وأحسب أن الحكومة مؤهلة الآن بعد التعديل الأخير لإحراز نجاحات ملموسة على صعيد التواصل مع الناس وشرح حقيقة الأوضاع الإقتصادية والتحديات التي يمر بها الوطن، فالفريق الوزاري يضم كفاءات طيبة في مجالات عديدة، فقد انضم للحكومة على سبيل المثال لاالحصر وزيران على قدر عال من الكفاءة في موقعي نائبي رئيس الوزراء وهما السيد جمال الصرايرة المعروف بنزاهته وتواضعه وأمانته وقربه من الناس ونجاحه في المواقع السابقة التي شغلها والدكتور جعفر حسان الذي تميزت مسيرته المهنية بالكفاءة والمتابعة الدقيقة وعدم إهمال التفاصيل والإنطلاق في كل مايفعل من حرص أكيد على مصالح الأردن ، فهما وغيرهما الآن مؤهلان للتواصل مع الناس وشرح الحقائق للمواطنين.
وقد أحسن رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونة صنعا بالإلتقاء بمجموعة من شباب محافظة الكرك ومحاورتهم وبسط الحقائق أمامهم. ولكن هذه المبادرة المقدرة وحدها لاتكفي إذ يجب تعزيز قنوات التواصل المباشر مع المواطنين من قبل المسؤولين والنواب والأعيان ورجال الدولة، فليس من المعقول تشبث البعض بالطروحات والأفكار أو تكرار بعض التصورات التي تتناقض مع الواقع وحقائق الأمور.
إن الحوار المباشر مع المواطنين قد لايحل الأمور بين يوم وليلة، فستبقى هناك بعض الأسئلة المعلقة وبعض المتمترسين عند قناعات معينة، وهذا أمر طبيعي ومقبول ولكن الحوار سيسهم بلاشك في التخفيف من درجة الإحتقان وتوضيح الحقائق لجموع الناس.
ومايعنينا في الختام هو تأكيد أهمية الحوار بكل وسائله وأدواته وعدم تبرم أو ضيق أي طرف منه، ولكن هذا الحوار يجب أن يبقى دائما تحت سقف الدستور ولايتجاوز حدود الدولة ورموزها، فهو في هذه الحالة لايصبح حوارا بل تقويضا للاسس التي قامت عليها الدولة وخطرا داهما على استقرار الوطن يجب عدم السماح به تحت أي ظرف.
الرأي