وليد حسني
كل الدراسات البحثية ومشاريع الرصد الإعلامي في الأردن الممتدة منذ نحو اربع سنوات وحتى اليوم تشير إلى أن خطاب الكراهية في الأردن في ازدياد وان مؤشراته لم تعد تخفى على احد.
ولست هنا بصدد استعراض نتائج تلك الدراسات العديدة والمتنوعة التي اجريت خلال السنوات الأربع الماضيات فهذا أمر ليس في وسعي هنا وفي هذه العجالة الإحاطة به، ولكن يكفيني التأشير إلى أن خطاب الكراهية لم يعد محصورا فقط في منصات التواصل الإجتماعي ثم في الصحافة الإلكترونية ثم في الفضائيات المتلفزة وبدرجة لا تكاد تذكر في الصحافة اليومية الورقية، بل هو أكثر انتشارا في الشارع وفي المساجد تحديدا، وفي بعض الجامعات والمدارس، وهنا مكامن الخطر الذي لا يمكن للحكومة وضع حد له أو معالجته.
قبيل أيام قليلة كان احد اساتذة الجامعات يتحدث بخطاب كراهية تحريضي وتمييزي ضد المسيحيين الأردنيين، وهو ذاته الذي كان قبل سنوات عديدة مضت احد ابرز منتجي خطاب الكراهية التحريضي ضد الأديان، مستغلا موقعه كأستاذ لطلبة يؤدلج بين أيديهم خطابه الكاره للآخر ومحرضا عليه.
وللحقيقة فإن الحديث عن وشائج القربي المسيحية الإسلامية حديث ذو شجون يطول فيه الغرف من معين السيرة النبوية ومن التاريخ ومن النصوص الحديثية إذا ما أردنا الإنبراء لهذا المنتج لخطاب الكراهية باعتباره استاذا يحمل قلما ويكتب على اللوح ما يعتقد انه الصواب ويؤمن بما يرسمه له عقله من أدلوجات لا أظن ان النبي محمد عليه الصلاة والسلام يقبل خطابه فيما لو سمعه منه او نقل له عنه.
ويكفيني هنا التأشير إلى أن أثار التعاليم الإنجيلية في الإسلام واضحة لا يكاد احد يخفيها،ولا اظن أن النبي محمد عليه الصلاة والسلام الذي كان يسمي النبي الرسول عيسى عليه السلام بابن الخالة، وامه بالعذراء البتول وسيدة نساء الجنة كافيا تماما ليقتنع هذا الداعي أن المسيحيين ليسوا أعداء، بالمطلق إلا بالقدر الذي تتغلب فيه روح السياسي ومطامعه على الديني، وهذه مأساة متبادلة في الاسلام والمسيحية على حد سواء، وفي باقي الأديان والمعتقدات الأخرى على حد سواء.
هؤلاء الذين يرون ان طريقهم الى الجنة تمر عبر مهاجمة الأخوة المسيحيين والدعاء عليهم من فوق منابر المساجد، ومنابر الجامعات والمدارس يؤمنون بشيء آخر مختلف لا أعتقد انهم يدركون كنهه لكونهم لم يعرفوا المسيحية عن كثب، ولم يعرفوا كيف كان النبي عليه الصلاة والسلام يجل المسيح وامه البتول عليهما السلام إجلالا لا اظن أن احدا في هذا الكون الفسيح هذا الأوان يمكنه التعالي على ما كان النبي محمد يحبه ويجله.
والمشكلة هنا ليست في ذلك الداعي الذي كان من ابرز منتجي خطاب الكراهية والتمييز وانما في منابر المساجد وخطباء الجمعة الذين ينهون خطبهم التقليدية الساذجة بالدعاء على المسيحيين، وعلى القوميين والبعثيين، والشيوعيين واليهود باعتبارهم جميعا في خانة الكفار الذين سيكونون ضيوفا مخلدين في جهنم ، بينما هو وأمثاله سيتنعمون بالفردوس الأعلى وبالحور العين.
أدعو الدولة بكامل أذرعها لإعادة انتاج خطاب آخر مختلف في خطب الجمعة على منابر المساجد، فقد قمت ذات صلاة جمعة وغادرت المسجد ولم اصل خلف خطيب ملأ الدنيا صراخا وهو يدعو على القوميين والبعثيين والشيوعيين والمسيحيين بالويل والثبور ويهددهم بالقتل والإجتثاث، في تلك اللحظة التي وصل حماسه فيها إلى مداه قررت مغادرة المسجد، وقلت في نفسي عليك يا وليد اعادة فتح باب الإجتهاد واجتهدت وقلت إن مثل هذا الأخرق لا تجوز الصلاة خلفه، وعدت للبيت وصليت الجمعة صلاة ظهر..
وفي النهاية ــ ولا نهايات لمثل هذا الحديث ـ فإن من يعتقدون ان إسلامهم لا يصح إلا بالدعاء على المسيحيين والنصارى باعتبارهم كفارا عليه أن يقرأ أولا كتاب البشارة او الإنجيل ليعرف إلى أي مدى يتوافق الإسلام مع تعاليم السيد المسيح عليه السلام، أو لم يقل النجاشي الذي لجأ اليه المسلمون الأوائل انه ليس ما بين ديننا ودينكم غير هذا الخط، ورسمه على الرمل..
نعم إنه خط أضعف من أن يكون جدارا فاصلا بين دينين، يحكمان المواطنين الأردنيين، ولا مجال للتنازع على إله واحد يجمعنا ونعبده كل بطريقته..//