بلال العبويني
لكم أن تتخيلوا المنظر أمام مجلس النواب، وقد تجمّع مزارعون بما ملكت أيديهم من منتجاتهم الزراعية، خضار وفواكه وأغنام وأبقار ودجاج وحليب وبيض.
هذا المنظر، حدث بالفعل يوم أمس، في إشارة إلى تصعيد المزارعين من احتجاجهم على فرض الحكومة ضريبة مبيعات على القطاع الزراعي.
المزارعون، لجأوا إلى ذلك الشكل الاحتجاجي لعلّ أحدا يلتفت إليهم ويستمع بجدية لمطالبهم بإلغاء الضرائب المفروضة على منتجاتهم، وهي الضرائب التي من شأنها أن تقضي على القطاع بالضربة القاضية، وهو القطاع الذي يئن العاملون فيه تحت وقع تراكم الديون والخسائر.
قلنا في مرات سابقة، المجتمع الأردني بطبيعته مجتمع زراعي رعوي، وكان من الممكن أن تشكل الزراعة قيمة استراتيجية عظيمة في الاقتصاد الوطني، أقلها بالحصول على الاكتفاء الذاتي في الكثير من الأصناف الزراعية الاستراتيجية.
لكن، تجاهل الاهتمام الحكومي بالقطاع الزراعي، منذ سنوات طويلة، وطريقة التفكير فيه، ساهمت في تدميره وإلحاق الخسائر بالمشتغلين به، حتى هجر الكثيرون منهم هذه المهنة إلى غيرها، ورزوح من مازالوا متمسكين بالعمل بالزراعة تحت وطأة الديون التي مازالت تتراكم.
حال المزارع والقطاع برمته لا يسر عدوا ولا صديقا، ورغم ذلك، كان يجب أن تلتفت الحكومة للقطاع باتجاه دعمه والنهوض به عبر تسهيلات وامتيازات وتحسين الانتاج وإيجاد أسواق جديدة للتصدير للاستفادة من العوائد بعد تقلص المساعدات الخارجية وسياسة الاعتماد على الذات.
لكن، كانت الضربة القاضية بفرض ضريبة مبيعات ليصبح القطاع مُحاصرا بضرائب على مدخلات الانتاج ومخرجاته، في ظل واقع صعب على المزارع زاده صعوبة واقع المنطقة الأمني وما نتج عنه من إغلاق الحدود.
المطلوب اليوم، أن تلتفت الحكومة إلى القطاع الزراعي كقطاع استراتيجي له أثر إيجابي على الأمن الغذائي المحلي أولا، وأثر على توفير تصدير العملة الصعبة إلى الخارج لاستيراد منتجات تُنتج أو بالإمكان انتاجها محليا.
حرص الحكومة على جلب الاستثمار الأجنبي يبدو متناقضا في ظل شعور المستثمر المحلي بالتضييق عليه من كل ناحية ليلقى مصيره النهائي بالخسارة، وبالتالي قبل أن نطلب من الأجنبي القدوم للاستثمار لدينا، على الحكومة أن تعمل جاهدة لضمان استمرار الاستثمارات المحلية بتخفيف القيود والضرائب المفروضة عليهم، حتى لا يفكر أي منهم بمغادرة البلد للاستثمار في مكان آخر يدر عليهم عوائد أكثر.
اليوم، التنافس على جلب الاستثمار الأجنبي لم يعد فقط في الترويج إلى الأمن والاستقرار أو حتى بالجنسية والإقامة الدائمة، بل إن التنافس على جلب الاستثمارات الأجنبية على أشده بين مختلف الدول، والدولة التي تقدم تسهيلات وامتيازات أكثر هي من تفوز بالحصة الأكبر من المستثمرين، والامتيازات لا تنتهي، بطبيعة الحال، عند حدود الجنسية والإقامة.
وبالتالي، كيف يمكن تشجيع الاستثمار الأجنبي، في ظل وجود مستثمرين محليين يواصلون الاعتصام بما تيسر من متجاتهم الزراعية، وفي ظل وجود قطاعات أخرى تشتكي من ضعف القدرة الشرائية وكساد الأسواق.
الاعتناء بالمستثمر المحلي، هو أولى خطوات تشجيع الاستثمار الأجنبي، وبالتالي لا بد عاجلا وليس آجلا التفكير مليّا في المحافظة على المستثمرين المحليين وعلى الأخص الزراعيين منهم، لأنهم على الأقل يوفرون لنا ما نأكله وبالتالي يحفظون لنا أمننا الغذائي حتى وإن تكالبت علينا الظروف أكثر.//