كتّاب الأنباط

شماعة فقه الواقع    

{clean_title}
الأنباط -

الدكتور رياض شديفات

    نسمع كثيرا عن مفهوم فقه الواقع ، ويستخدمه الفقهاء والعلماء  لمناقشة المسائل الفقهية  المتعلقة بالمستجدات والمتغيرات لإصدار الفتاوى المرتبطة بحياة الناس ، ولا شك أن فقه الواقع مرتبط بضوابط يعرفها المتمرسون في هذا المضمار ، وفتح الباب على إطلاقه مفسدة لثوابت الأمة في دينها وحياتها .

    ومن المؤسف توسع الناس في باب فقه الواقع ليشمل تبرير الواقع المخالف للشرع الحنيف والعرف السليم ، وتقديم التنازلات تلو التنازلات في مسلسل مس ثوابت الأمة وثقافتها وهويتها بذريعة فقه الواقع ، ومجاملة قوى الاستبداد العالمي خشية الإرهاب بحسب التصنيف الذي يعتمد المعايير المزدوجة .

    فالتوسع في استخدام فقه الواقع من قبل غير المختصين ساهم في تمييع الحالة العربية والإسلامية عبر سلسلة التنازلات غير المحدودة في معظم الثوابت الدينية والوطنية والثقافية ، وشواهد ذلك ماثلة أمام أعيننا ، فقضية القدس والأقصى شاهد حي على عجز العرب والمسلمين بذريعة اختلال ميزان القوى ، وبذريعة انشغالهم في مشاكلهم الداخلية .

    فالفهم الخاطئ لفقه الواقع جعل شبابنا يقلدون تقليدا أعمى دفعهم إلى دخول جحر الضب بدون وعي بحجة أن غيرنا متقدم علينا متناسين أن التقليد يكون في العلوم التطبيقية ومناهج البحث ، ولا يكون في الثقافة وخصوصيات المجتمعات ، وتنازلنا عن بعض ديننا في كثير من أوطاننا العربية أرضاء لمطالب غيرنا ، وغيرنا ملابسنا مجاراة للموضة والحداثة ولمن يسعى لطمس هويتنا ،وطوعنا لغتنا لتصبح خليطا من اللغات بذريعة الحداثة .

وحرفنا فهم ديننا مسايرة للغرب  في العديد من ثوابته ، وبدلنا مناهجنا وعاداتنا وتقاليدنا بحسب رغبة الجهات المؤثرة، وغزتنا كل المنظمات الدولية تسرح وتمرح في بلادنا بحجة الظروف المحلية والإقليمية تمييعا لكل ثوابتنا ، وحالنا كحال الديك حين طلب منه صاحبه ترك الآذان لئلا ينتف ريشه فقبل من باب الضرورات تبيح المحظورات ، ،ثم طلب منه أن يكاكي  كالدجاج لئلا يذبح ففعل ، ثم طلب منه أن يبيض كالدجاجة فبكى وتمنى أنه لو لم يتنازل أول مرة ، فمن يتنازل مرة يتنازل كل مرة، فمن يهن بسهل الهوان عليه ، وهكذا نحن العرب تنازلنا عن كثير من مبادئنا وقيمنا وأخلاقنا ومقدساتنا ، فثمن التنازلات ثمن باهظ ندفعه كرامة وثقافة وهوانا ومرارة كل يوم في حياتنا، فكرامتنا أعز وأغلى لمن يقرأ التاريخ والواقع .//

تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )