الدكتور رياض الشديفات
جاء هذا المقال بعد عدة محاولات لرصد الطريقة التي يفكر بها الغالبية من أبناء وطني وعبر الملاحظات اليومية التي تتم في المواقف الحياتية ، وعبر رصد المنطق الذي ينطلق منه الناس في مجتمعنا في سلوكهم ومجالسهم ومؤسساتهم بما يشكل خطرا على النسيج الوطني والاجتماعي ، فتجد بعضهم يقترح فلانا للمنصب الفلاني لأنه من أبناء منطقته ، وذاك يزكي لتولى المركز الفلاني للسبب ذاته ، وذاك يعترض على فلان كونه لا ينتمي لنفس المكان والمنطقة والجهة . فما هكذا تورد الإبل يا سعد ، فالأوطان تبنى على يد أصحاب الكفاءة ، ولا تقوم على المعايير الضيقة ، فمن أراد الخير لوطنه تجاوز هذا المنطق إلى المنطق الجامع الذي يحقق المصلحة العامة ، فالمنطقة مكان سكن وينتسب الأفراد إليها من باب التعارف والتعاون ، فهذه الصفة لا تصلح لبناء المجتمعات المدنية الحديثة .
فالنظرة المناطقية نظرة ضيقة تهدم ولا تبني ، وفي المنظور الديني يتفاضل الناس على أساس التقوى ، والناس سواء كأسنان المشط ، وفي المنظور الوطني المواطنون متساوون في الحقوق والواجبات ، وفي المنظور التربوي الذي درسناه في المناهج والمدارس والجامعات أن المعيار هو معيار الكفاءة والقدرة على تحمل المسؤولية والمواطنة الصالحة، فالهنود يتغنون بغاندي ، وفي جنوب إفريقيا يتباهون بنضال نيلسون مانديلا بما قدم لأوطانهم ، ولكل وطن نماذجه . فهذا المرض عززناه بثقافتنا الضيقة وسلوكنا اليومي حتى غزا عقول المثقفين وأصحاب العقول والأقلام بما نراه يكتب ويعبر عنه في بعض مواقع التواصل الاجتماعي ، وبعض وسائل الإعلام، وما يدور في المجالس الاجتماعية العامة ويعزز هذا المنطق الممارسات التي تتم على ارض الواقع من سلوكيات فردية وجماعية .
والحل لهذه الثقافة السلبية يكمن في تمثل توجيهات الإسلام التي تحرم مثل هذا المنطق الهدام ، وفي التطبيق العملي لنصوص دستورنا الأردني في المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات وبناء الفكر الذي ينطلق من الوحدة الوطنية الجامعة ، وفي التحذير من هذه الأفكار الهدامة والممارسات الخاطئة التي تتم في مجتمعنا ، وفي تطبيق القانون بعدالة وحزم من أجل الوطن الذي نتمنى له كل خير// .