بلال العبويني
ثمة تطورات مقلقة شهدتها وتشهدها الساحة السورية، أعادت الأزمة إلى مربعها الأول عندما كان الهدف والعنوان العريض تقسيم سوريا.
اليوم، خطر التقسيم عاد من جديد وبشكل أوضح عما كان عليه في السابق إبان التواجد الكثيف للجماعات الإرهابية على الأرض السورية، ويتمثل ذلك التقسيم بين قوى عالمية وإقليمية مثل الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا.
بدأ الواقع الجديد يظهر للعيان بتغيير الولايات المتحدة استراتيجيتها في سوريا، فبعد أن كانت دحر الإرهاب في الرقة ودير الزور، تغير الهدف باتجاه تواجد طويل الأمد والتحالف مع الأكراد وتزويدهم بالأسلحة الثقيلة، وهو ما فرض واقعا جديدا تحديدا في شمال وشرق سوريا.
التحالف الأمريكي الكردي، وتنامي قوة وتسليح الأخير أثار خوف تركيا، العدو التاريخي للأكراد، فما كان منهم إلا العمل على حدث استباقي تمثل في التوغل العسكري بمنطقة عفرين أقصى شمال سوريا، وهو التوغل الذي من المتوقع أن يطول ليفرض أيضا واقعا جديدا يتمثل بمناطق نفوذ لها وبعمق ثلاثين كيلو مترا، وهو ما كانت تطمح إليه منذ البدء، بمناطق آمنة داخل الأراضي السورية.
وذلك يعني أننا أصبحنا بين منطقتي نفوذ في شمال وشرق سوريا الأولى تابعة للولايات المتحدة وحلفائها الأكراد، والأخرى تابعة للأتراك.
هاتان المنطقتان، وإذا ما أضيف إليهما مناطق نفوذ تابعة لروسيا وأخرى تابعة لإيران، فإن ذلك يعني اننا أمام أربع مناطق نفوذ، هي في الحقيقة أشبه ما تكون بتقسيم الأراضي السورية بين تلك الدول، وهو ما يعني خطرا حقيقيا يتربص بوحدة الأراضي السورية بعد أن كانت التوقعات قبل أشهر تشير إلى مغادرة سوريا مربع الأزمة والخطر ومنه خطر التقسيم.
التوغل التركي في عفرين، يثير الاستغراب من ناحية روسيا وإيران على وجه التحديد باعتبارهما الحليف الأوثق للحكومة السورية، ويثير الاستغراب أكثر من قبل الحكومة السورية التي لم تتحرك بشكل جاد باتجاه منع أو إعاقة حركة تقدم الجيش التركي وحلفائه داخل الأراضي السورية.
ما صدر من تصريحات سورية تعتبر الوجود العسكري التركي على الأراضي السورية احتلالا وتعديا على السيادة، كان خجولا، وما يقال عن صفقة تركية سورية برعاية روسية لتحجيم تنامي قوة الأكراد في عفرين، هو في الحقيقة ضربة قاسمة لسوريا ولما حققته من انتصارات سابقة على الإرهابيين الذين كان الكثير منهم يحظون بالدعم والرعاية التركية.
إن أهم أسباب ما عانته سوريا، وما زالت من إرهاب وتدمير وتهجير كانت تركيا سببا مباشرا فيه، بما قدمته للإرهابيين من حدود مفتوحة ودعم لوجستي ومالي عبر شراء النفط السوري والعراقي المسروق من قبل تنظيم داعش الإرهابي، وبالتالي ليس من البساطة استيعاب وجود اتفاق سوري تركي على الأكراد في عفرين.
الأكراد لهم أطماعهم، وتعاظمت تلك الأطماع بعد تحالفهم مع الأمريكان، لكن مقاومة أطماعهم لا تكون بقبول وجود عسكري تركي على الأرض السورية، لأن ذلك سيكون بمثابة قبول بتقسيم الأراضي السورية إلى مناطق نفوذ بين تلك الدول.
ما يجري على الأرض السورية يثير الكثير من علامات الاستفهام، ويثير الكثير من الخوف على وحدة الأراضي السورية، ومرد ذلك الخوف إلى ما ذكرناه سابقا وإلى صمت روسيا وإيران حيال كل ما يجري في شمال سوريا.//