كتّاب الأنباط

النواب ومقصلة الثقة

{clean_title}
الأنباط -

 

 وليد حسني

 

تراخى مجلس النواب في اقرار مناقشة قانوني الجامعات الأردنية، والمصادر الطبيعية لغايات ربما تتعلق بتعطيل إدراج مذكرة طرح الثقة بحكومة د. هاني الملقي التي وقعها 22 نائبا وتبنتها منذ اكثر من اسبوعين كتلة الإصلاح"14 نائبا" وحلفاؤها ومؤيدو مذكرتهم.

وفي الوقت الذي كان المجلس فيه يسارع في إقرار القوانين فإنه تراخى تماما في مناقشة قانوني الجامعات الأردنية والمصادر الطبيعية بعد أن أصبح استحقاق طرح مذكرة حجب الثقة عن الحكومة واجبا ضاغطا، مما حدا بالمكتب الدائم لمجلس النواب الإنتظار الى حين الفراغ من مناقشة القانونين اللذين قضى المجلس في مناقشتهما حتى يوم امس اسبوعين كاملين دون أن ينتهي من جدول الأعمال الذي يعتبر معيقا واقعيا أمام طرح المذكرة التي لن تجد أغلبية نيابية تؤازرها.

كان بامكان رئيس مجلس النواب المهندس عاطف الطراونه إصدار ملحق بجدول اعمال الجلسة الخامسة عشرة الحالية ــ كما جرت العادة ــ ويدرج عليها مذكرة طرح الثقة بالحكومة ويمنحها الأولوية، وهذا بعض من صلاحياته التي كفلها له النظام الداخلي لمجلس النواب، وقد فعلها الرئيس الطراونه اكثر من مرة.

ما أراه ان تأخير طرح مذكرة حجب الثقة بالحكومة يستهدف الرئيس الطراونه منه عدم إدخال مجلس النواب بكامله في ازمة جديدة مع نفسه ومع الجمهور والشارع، فالرئيس الطراونه اكثر النواب معرفة باتجاهات تصويت زملائه، وإلى أي مدى سيخسر المجلس أمام نفسه اولا، وأمام الناخبين والإعلام والمراقبين وحتى امام الحكومة نفسها وذلك لصعوبة وربما استحالة تأمين ثلثي أعضاء المجلس الذين سيصوتون بكل ثقة واطمئنان بحجب الثقة عن الحكومة.

الرئيس الطراونه يدرك هذا الواقع جيدا، ويدرك أكثر أن تاجيل طرح المذكرة والتراخي في إدراجها على جدول اعمال الجلسات يستهدف منه شراء الوقت ولعله يأمل في قادمات الأيام ان يكون ثمة تغيير مقبل على الحكومة وبالتالي يتقي شر تلك المذكرة التي ستكون شرا مستطيرا على مجلس النواب وسكانه المئة والثلاثين، في الوقت الذي لا تعارض الحكومة فيه المسارعة بطرح تلك المذكرة لكونها الأدرى والأكثر معرفة بمن تواجههم تحت القبة وبالتالي فان طرح تلك المذكرة للتصويت سيمنح الحكومة أفضلية جديدة ومجانية من خلال فشل المذكرة والتي ستعني وبالضرورة ثقة جديدة ومجانية للحكومة التي تمر هذا الأوان في أسوأ حالاتها شعبيا وجماهيريا.

رؤية الرئيس الطراونه تتبدى هنا بوضوح، فإما أن يدخل في مغامرة يعرف مسبقا أنه الخاسر الأول فيها، وإما أن يتريث ويتراخى في انتظار ما يمكن ان تحمله الأيام المقبلات من تغييرات قد تعصف بالحكومة وتأتي باخرى جديدة وبالتالي ينجو من مازق المواجهة ودفع الإستحقاقات الصعبة والأثمان الباهظة.

لقد جرب مجلس النواب الذهاب بعيدا في طلبات طرح الثقة بالحكومات وكانت كلها تتكسر على عتبات المجلس والتحالفات، إلا أن إصرار المجلس السابع عشر السابق على طرح الثقة بحكومة رئيس الوزراء السابق د. عبد الله النسور كشفت إلى أي مدى كان ذلك المجلس منهكا ومتهدلا وناعما وخاضعا فقد منح في طرفة عين لحكومة د. النسور ثقة ثانية مجانية لم يكن مجلس النواب بحاجة اليها، ولم تكن الحكومة لتطلبها إلا في إطار روح التحدي التي منحت الحكومة في حينه هيمنة استثنائية على المجلس السابق.

اليوم يعاد المشهد بكل تفاصيله، فالمجلس الحالي أضعف من أن يحتمل مغامرة بحجم لعبة حجب الثقة عن الحكومة، في الوقت الذي يدرك فيه جميع رجالات المجلس الحالي وعضواته السيدات إلى أي مدى تتمتع الحكومة بقوة التأثير داخل المجلس، وهي القوة الجامحة التي لا يستطيع المجلس مواجهتها أو حتى الإنقلاب عليها.

ولعل الأكثر أهمية في هذا المشهد أن من تولى صياغة مذكرة طلب طرح الثقة بالحكومة هم نواب كتلة الإصلاح"14 نائبا" والذين يمثلون الكتلة الإسلامية وحلفاءها، مما سيجعل النتائج محسومة سلفا، فتلك الكتلة التي لا تتمتع باية قوة تصويتية تحت القبة تريد من خلال مذكرتها كشف مجلس النواب وتعريته امام الجمهور والناخبين، فضلا عن رغبتها بالدفاع عن نفسها وعن موقفها حين تغيبت عن التصويت على جلسة الثقة بالموازنة تاركة للحكومة ولجيشها النيابي تبادل التهاني فيما أخفق النواب المعارضون في تعطيل عجلة الثقة عن الدوران ليلتها.

هنا تصبح المعادلة مكشوفة تماما لكل ذي بصيرة، لأن الإستمرار في طرح الثقة بالحكومة سيمنح النواب الإسلاميين فرصة لتحقيق اهدافهم من تلك المذكرة بتعرية موقف مجلس النواب من الحكومة وسياساتها الإقتصادية التي خنقت الناس تماما، وهذا حق سياسي لهم سيجد قلة قليلة من داعميه تحت القبة.

وفي كل السيناريوهات التي يمكن وضعها فإن مغامرة طرح المذكرة للتصويت تعني وبالضرورة إنكسارا نيابيا آخر لا أظن ان المجلس يحتاجه بعد سلسلة الإنكسارات التي تلقاها في الشهرين الأخيرين..

إن من الواضح لي تماما أن الصراع في مجلس النواب هذا الأوان يتمحور حول تكريس صورة مجلس النواب المنهزم والمتراخي الذي يتحاشى مواجهة واقعه، ومواجهة الناس وانكشاف ضعفه وقلة حيلته//..

تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )