عامر الحباشنة
طوال أشهر من القرارات الحكومية المتعلقة بالضرائب والأسعار والموازنة والنفط ومشتقاته، يبدو أننا جميعا ندور في حلقة مفرغة من المواقف وردود الفعل المرافقة لكل حدث، فالحكومة تواجه المشكلة الإقتصادية والإجتماعية بطريقتها وعبر أدواتها منطلقة من واقع ترى ان جزءا كبيرا منه هو ارث تراكمي لازمات تم ترحيلها وهي ورثتها من حكومات سابقة، وترى أنها بكل ما تقوم به إنما تواجه أزمات موروثة الجزء الأكبر لا علاقة لها به ودورها هو مواجهة الواقع والتعامل معه بخطط عاجلة ومعالجات جراحية مؤلمه لجيب المواطن، والنواب المفترض أنهم إفراز الشعب وخياره يرون انفسهم في وضع لا يحسدون عليه بين مطرقة الحكومة واجراءتها وبين سندان الشعب المتذمر والرافض لاجراءات الحكومة، والشعب حائر بين تضارب التوجهات وتداخل المفاهيم والاولويات، فتجده ناقما من اجراءات الحكومة، عاجزا عن التاثير وهو المتأثر الأول باجرائتها وبنفس الوقت صابا جام غضبه على النواب الذين يراهم دون المستوى.
هذه الثلاثية الحكوشعبنوابيه غير المتناغمة والعاجزة عن الحد الأدنى من النتاغم يتحمل عبئها المواطن المسحوق والمثقل من جهة والوطن بمؤسساته المدنية والإجتماعية من أخرى.. ومما يزيد الطين بله ان لا احد من الثلاثية قادر على مواجهة الحقيقة، الحقيقة البسيطة بأننا نواجه ازمه فقدان ثقة بأنفسنا ومؤسساتنا حكومة ويرلمانا وقوى شعبيه.
هذه الثقة المفقوده أخطر من الازمة الاقتصادية،ببساطة لان انعكاسها اخطر على منظومة العلاقة التبادلية بين أطراف معادلة الدوله، فحالة التيه اصبحت واضحة وفقدان الأمل بالتغيير بدأ يتسلل لمفاصل لم يصلها من قبل.
ولأن الفراغ الذي يتركه كل طرف يملأه الآخرون، فإن فراغات الرواية الحكومية وغياب منظومة رسميه متكاملة للسلطة التنفيذيه توضح وتبرر اجرائتها، هذا الفراغ بدأ يمتلئ بروايات أخرى بغض النظر صوابيتها من عدمه، فالحكومة تواجه حالة تبريرة تجد نفسها منغمسه بالدفاع عن اجراءاتها طوال الوقت على حساب عملها الأساس بالتخطيط متوسط وبعيد المدى حتى لتبدو وكأنها حكومة تيسير أعمال أكثر منه صناعة سياسات.
أما النواب وهم نتاج الشعب انتخابيا، فهم كما ذكرت يصارعون طوال الوقت لإثبات عكس الانطباعات السلبية الشعبيه، تلك الانطباعات الناتجة عن سندان الشعب الأكثر تماسا معهم والعارف بطريقة افرازهم ، حيث تختلط تلك الانطباعات وتجتمع فيها مواقف الرافضين لنهج النواب والرافضين أصلا للقوانين التي افرزتهم والناقمين من ضعفهم أمام اجراءات الحكومة.
والشعب المتمثل بأغلبية المتأثرين بإجراءات وسياسة الحكومة يجد نفسه عاجزا عن التاثير دون قيادات تمتلك نضوجا سياسيا مؤثرا وقادرا على اسماع صوته دون تشويش.
المعادله صعبه وتحتاج لبرنامج وطني واقعي بعيدا عن عقلية الحكومة البطريركية التي تدعي امتلاك الحقيقة واحتكارها وبعيدا عن عقلية وعقدةالنقص النيابية اما بسسب التبعية والتماهي مع التصورات الحكومية او بسبب الشعور بالعجز عن التغيير والإصلاح... والمواطن الغائب المغيب مثله مثل ليلى كل يدعي وصلا بها ولا أحد يصلها، خاصة وانه ابتلي بأصحاب الصوت العالي ممن يبدعون في التشخيص دون أي رؤية لعلاج.
في ظل المعطيات والتركيبه الحاليه والوضع الداخلي وتأثيراته الخارجية وحتى لا ننزلق لرواية الحكومة المغشاة ولا ننحدر لقفزات في المجهول، فإن الطريق الأمن للتغيير يجب أن يتأتى عبر المؤسسات،والمؤسسة المؤهلة لذلك هي مجلس النواب رغم كل النحفظات، ويمكن لمجلس النواب أو أيا من أعضاءه وكتله الفاعلة ان تبدأ حوارا وطنيا مع مؤسسات المجتمع المدني من احزاب ونقابات وجمعيات وذلك على ارضية المصالح الوطنية بحيث تقود هذه الحوارات لمشروع وطني يخرج الجميع من المازق، وإلا فالجميع سيبقي يدور في حلقة مفرغة من جديد وسنكرر في كل مرة اخطائنا السابقة، أخيرا رغم معرفتي بواقع مجلس النواب انطباعا و واقعا، إلا انه يمكن ان يكون نقطة البداية.
ولله الأمر من قبل ومن بعد.