بلال العبويني
لم يكن الأردنيون بحاجة لأحد ليخبرهم أن جلسة مجلس النواب التي انعقدت يوم أمس لمناقشة قرار رفع الأسعار أنها "جلسة كذب"، فهم على دراية تامة أن الكثير مما يشاهدونه لا يخرج عن ذات التوصيف الذي نُقل أمس عن النائب إنصاف الخوالدة.
ما الذي كان يتوقعه النواب من جلستهم أمس أن تضيفه بعد أن صادقوا على الموازنة وأصبحت أمرا واقعا؟، وما الذي كانوا يتوقعونه بعد أن أصبحت الأسعار الجديدة لمادة الخبز وغيرها أمرا نافذا لا يقوى أحد على تغييره أو تعديله أو حتى مناقشته.
الناس تعلم ذلك وأكثر، لكن المشكلة الحقيقية تكمن في النواب ومن قبلهم الحكومة التي ما زالت تعتقد أن الناس "سُذّج"، ومن الممكن أن ينطوي عليهم أية حيلة مهما تدنى مستوى إخراجها إلى حد السذاجة.
هل فكر المسؤول الحكومي قليلا قبل نشر قائمة أسعار الخبز في عدد من الدول العربية ومقارنتها مع سعرها لدينا؟، هل بلغ حد تسخيف عقول الناس إلى مستوى أنهم لن يستطيعوا كشف حقيقة أن تلك المقارنة ساذجة، عند مقارنة مستوى الدخل بين مواطني تلك الدول مع مستوى دخل الفرد لدينا، أو عند مقارنة القدرة الشرائية وقيمة العملة في تلك الدول عما هو لدينا؟.
بل هل اعتقد "انشتاين" الحكومة أن الأردنيين "مقطوعين من شجرة"، وليس لدى كل بيت فيه مغترب في أي من تلك الدول ليخبرهم حقيقة سعر كيلو الخبز في الدولة التي يعمل بها ويحوّل منها عملة صعبة تستفيد منها خزينة الدولة.
اليوم، ربما لم يعد هناك مشكلة في ما تتخذه الحكومة من قرارات أو حتى فيما يتواطأ به بعض النواب مع قرارات الحكومة، بل إن المشكلة الحقيقية في النظرة الدونية التي ينظرون فيها إلى المواطن باعتباره ساذجا لا يدرك ما يقومون به من حركات وتبريرات ساذجة تنتقص من قدراتهم العقلية وخبراتهم التي بنوها خلال عقود من التغول الحكومي والنيابي عليهم.
المواطن يدرك أن الموازنة لا تمر هكذا من دون مساومات مسبقة مع بعض النواب أو بعض اعضاء اللجان المختصة فيه، ويدرك أن الشروط التي توضع للموافقة على الموازنة مثلا ليست إلا تمويها على الناس لايهامهم أن هناك من يدافع عنهم وأن هناك من أجبر الحكومة على الامتثال لأحد شروط النواب، الذي هو في الحقيقة ليس أكثر من طعم غير منطقي وغير قابل للتطبيق كطعم حرمان من يمتلك سيارتين من دعم الخبز.
المشكلة الحقيقية، أن الحكومات لا تلتزم بكل ما تتفق عليه مع النواب أثناء جلسات المساومة لتمرير الموازنة، ففي الحكومة السابقة مثلا، لم تلتزم الحكومة بالاتفاق المسبق والمتعلق بالضريبة الخاصة على البنزين وتسعيرة المحروقات التي جاءت دفعة واحدة على غير الاتفاق بتوزيعها على أشهر، وفي الحكومة الحالية لم تلتزم الحكومة بترك خيار تحديد الدعم للجنة المالية كما كان الاتفاق، وأعلنت عنه قبل يومين من عقد النواب جلستهم.
لذلك، جلسة أمس تدخل في ذات السياق، والناس تدرك جيدا قيمتها وأن الخطابات التي ستلقى فيها لا تسوى الحبر الذي كتبت فيها وأن أبسط المواطنين لا يقيمون لها وزنا، بالتالي ما يطالب به المواطن اليوم أن تحترم الحكومة والنواب وعيه ولا يتعاملان معه بهذا المستوى من السذاجة وان يرتقيا قليلا في مستوى الإخراج.//