"المُسَخَّمِين.. " لغة واصطلاحا .. ودعاء
وليد حسني
رفض رئيس الوزراء هاني الملقي وصف الأردنيين بـ "المسخمين" من قبل النائب محمود العدوان في حديث ثنائي بينهما حين كان النائب يبذل كل ما في وسعه لإقناع الرئيس الملقي بالتراجع عن رفع أسعار الدواء.
لم يعجب الرئيس الملقي وصف النائب العدوان للأردنيين بـ"المسخمين"، أشاح الرئيس بوجهه معبرا عن استيائه من ذلك التوصيف، قائلا إن "للأردنين كرامتهم"، في الوقت الذي كان النائب يقصد فيه ان الأردنيين طيبون وفقراء وبسيطون ولا يقدرون على ثمن الدواء الذي كانت الحكومة تعمل على رفعه قبل التدخل الملكي بوقف هذا القرار.
وللحقيقة فإن كلمة "مسخم" لها مجالان في التعاطي معها، أولهما لغوي بامتياز وهي عربية فصيحة من الكلمات المعجمية العربية، ومعناها الثاني شعبي إصطلاحي ما يزال يستخدم في الأردن وبلاد الشام حتى هذه اللحظة بدليل استخدامه من قبل النائب محمود العدوان.
في المعنى الأول عنت كلمة "مسخم" معجميا أسود الوجه او الذي اسود وجهه بفعل دخان الفحم أو النار وتقول العرب "قدرٌ سُخِيمة" أي شديدة السواد أو سواد القدر، والسخام هو الفحم، وفي قول العرب" سخمَّ الله وجهه" أي سّوَّدَهُ، والسخام أيضا الحقد والغضب.
وجاءت بهذا المعنى في الحديث النبوي الشريف فيما كان يدعو به النبي عليه الصلاة والسلام ربه (..وثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلل سخيمة قلبي. ) أي الحقد والغضب والحسد، وروى هذا الحديث ابو داوود، وابن ماجه والترمذي في سننهم، وصححه الشيخ الالباني.
و"المسخم" من اسوَدَّ وجهه وكانوا ولم يزالوا يستخدمونها في وصف الشخص السيىء الذي يبين كذبه، او حقده او حسده، أو إدعاءه زورا وبهتانا على الآخرين، فضلا عن التكنية بها عن المقت والغضب لعمل دنيء لا اخلاقي اقترفه شخص ما.
هذه بعض الدلالات اللغوية المعجمية لكلمة"مسخم" التي أثارت ولا تزال تثير الجدل على منصات التواصل الإجتماعي، ويذهب جلها في السخرية والنقد اللاذع من رئيس الوزراء ومن رفضه لها، وتعليقه بنفي أن يكون الأردنيون مسخمين بل هم"أصحاب كرامة".
وفي الإصطلاحات الشعبية الأخرى الدارجة في الأردن فان كملة "مسخم" وصف يطلق على كل ذكر تعرض لإعتداء جنسي، وخاصة الأطفال، إذ يصف الأردنيون هذه الحالة بأنه"مسخم" أي تعرض لإعتداء جنسي، وفي اللغة الدارجة فانه توصيف للأطفال الذين يتعرضون لمثل هذه الجريمة البشعة، لذلك يلجأ الأردنيون للتكنية عن هذه الجريمة باستخدام كلمة"مسخم" بدلا من استخدام التوصيف الجارح والفاضح لجريمة الإعتداء الجنسي..
هذه بعض تجليات كلمة" مسخم" في اللغة المعجمية، وفي الدارجة الأردنية، وهي كلمة عربية فصيحة استخدمها النبي عليه الصلاة والسلام، ولكنني لا أعرف إن كان اصلها من لغة قريش أم من لغة قبائل اخرى، إلا انها كانت ولم تزل من الكلمات المعجمية الأصيلة الحية بالرغم من تغير بعض استخداماتها وتوصيفاتها الأنثروبولوجية.
ولا بد ان أعترف بانني في حيرة هنا من ردة فعل الرئيس الملقي، فحتى هذه اللحظة لم أستطع التيقن من كيفية فهمه لهذه الكلمة وعلى أي جنب حملها، وفسرها وتعامل معها، وحتى لا أتّقوَّلَ على الرئيس فإنني ادعو بما دعا به النبي عليه الصلاة والسلام (اللهم ثبت حجتي، واهد قلبي، وسدد لساني، واسلُل سخيمة قلبي..).//