حكوماتنا تُضيّع الفرصة تلو الأخرى
بلال العبويني
نحن محكومون بـ "الفزعة"، حيث سرعان ما نتفاعل مع الحدث، لكن ذلك التفاعل لا يدوم أكثر من يوم أو يومين ثم يتلاشى أثره وكأنه لم يكن.
فالمواطنون مغلوبون على أمرهم، حيال ذلك، حيث تحركهم العاطفة وحب البلد وقيادته، لكن المشكلة الكبرى تكمن في النخب على اختلافها وفي المسؤولين من رأس الهرم الحكومي إلى أدنى مربوط درجات المسؤولية من أصحاب القرار على اختلافه.
هؤلاء، يفزعون كما يفزع المواطن العادي، وينصرفون عنها وكأن شيئا لم يكن، لكن ليس كما ينصرف المواطن العادي ليتفرغ للكد والشقاء لتأمين قوت عياله، بل ينصرفون إلى رتابة عملهم الوظيفي دون أن يكون ذلك الحدث قد شكل حافزا لهم لتطوير الأداء وبناء الخطط والاستراتيجيات.
الحكومات، دليل مهم للتأشير على انسداد الأفق في التفكير خارج الصندوق، فمن يستعرض البيانات الوزارية منذ عقود لا يرى اختلافا بينها إلا بالصياغة أحيانا وأخرى في ترتيب الفقرات لا أكثر، فالجميع يتحدثون عن الفقر والبطالة، والجميع يتحدثون عن الاستثمار وتشجيعه، والجميع يتحدثون عن القانون وسيادته، بيد أن التنفيذ متدن، لأن الكثير مما تحويه البيانات الوزارية ليس أكثر من "صف كلام" غير منطقي ويأتي خارجا عن سياقه التخطيطي والتنظيمي.
بالتالي، ينطبق على حكوماتنا ومسؤولينا وصف "العمل كل يوم بيومه" لأن أيا من البيانات الوزارية التي طالعتنا بها الحكومات لم ترتبط بجداول زمنية للتنفيذ، وبعض مما جاء فيها غير قابل للتطبيق العملي على الأرض لأن النظرة إليه كانت عمومية ومن الخارج فقط.
وعلى الرغم من ذلك، لم تستفد الحكومات مما هُيئ أمامهم من أوراق نقاشية ملكية للاستفادة منها والعمل وفقها على أنها برامج عمل حقيقية، من شأن تطبيقها أن ينعكس إيجابا على الأداء العام وعلى الدولة والمواطنين.
الملك، في أوراقه النقاشية السبعة أخذ على عاتقه أن يحمل كتفا عن الحكومة في التخطيط والإدارة التنفيذية للشأن المحلي اليومي، غير أن ذلك وللأسف لم يثمر في حكوماتنا ومسؤولينا الذين تعامل أغلبهم مع الأوراق النقاشية على أرضية "الفزعة"، لا أكثر، ببيانات وتصريحات سرعان ما تلاشت، والدليل ما تحدث به الملك يوم الثلاثاء أمام رئيس مجلس النواب ورؤساء اللجان النيابية أنه لا يرى تطبيقا كافيا لأوراقه النقاشية من قبل المؤسسات.
الورقة النقاشية السادسة تحديدا، التي خصصها الملك لسيادة القانون، هي أحوج ما نكون إليه، لأنها العنوان الذي تتكئ عليه الدولة المدنية الحديثة، لأننا نرى تنمرا على القانون وتجاوزا على سيادته من كبار المسؤولين أحيانا، وبما يشكل ذلك من غبن لعامة المواطنين وإضرارا كبيرا بهم، لأنه يؤشر على غياب العدالة أولا وعلى أنه يأتي على حساب جيوبهم ثانيا.
وثمة أمثلة كثيرة ممكن سردها على ذلك، ولعل من أبسطها إعفاء المسؤول نفسه من دفع بدل تذاكر السفر هو وعائلته مدى الحياة، على حساب الغلابى من دافعي الضرائب، ومن مثل تجاوز القانون في التعيين والتوظيف في المناصب العليا وعلى أساس القربى والحسب والنسب لا على الكفاءة.
الحكومات تهيأت لها الكثير من الفرص، لكنها وللأسف تُضيّعها الواحدة تلو الأخرى بأسلوب عملها التقليدي الرتيب، وتجاوزاتها التي سرعان ما تكتشفها وتفضحها الحكومة اللاحقة.//