بلال العبويني
بذات القدر الذي تمت فيه معارضة حراك السفيرة الأمريكية السابقة لدى الأردن، عندما كانت تدلي بتصريحات لها ارتباط بالشأن المحلي أو عندما كانت تلتقي فعاليات شعبية ومدنية، فإن تدخل أي من السفراء المعتمدين لدى المملكة مرفوض جملة وتفصيلا.
الصحافة لدينا حرة، وليس هناك ثمة رقابة مسبقة على النشر، ونعتقد أننا الأفضل من بين دول المنطقة من حيث الحريات الصحافية، بيد أن المطلب دائما ما يكون بالمزيد وصولا إلى مصاف دول العالم من حيث الحرية المسؤولة التي لا تتوقف عند حد.
من هنا، فإن اتصال السفير الإيراني بإدارة صحيفة "الانباط" اعتراضا على مانشيت الصحيفة أول من أمس التي تساءلت فيه عما إذا كان "ربيع إيران" قد بدأ أم لا، في مقاربة تشابه ما كان عليه العالم العربي قبل سبع سنوات مرفوض جملة وتفصيلا وذلك لسببين:
الأول: قلنا إن تدخل السفراء في الشأن الداخلي مرفوض من حيث المبدأ ومهما كان شكل أو نوع ذلك التدخل.
والثاني: أن لا رقابة لدينا على النشر، ما دام النشر مسؤولا وغير متجاوز على القوانين والأنظمة المتبعة في المملكة أو تلك المتعلق بمواثيق الشرف الصحفي، وبالتالي فإن تحليل أي حراك أو ظاهرة في الداخل الأردني أو خارجة من منظور سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي يبقى متاحا للإعلام تناوله بالشكل الذي يراه مناسبا وبما يتلائم وسياسة التحرير المتبعة في المؤسسة الإعلامية.
يوم أمس، كتب كاتب هذه السطور في هذه الزاوية تحت عنوان "هل ما يحدث في إيران ثورة؟"، وخلص المقال إلى أن ما يحدث لم يصل إلى مستوى يمكن معه أن يوصف على أنه ثورة، وأن مصير الحراك أن ينتهي كما انتهى عليه الحراك الشعبي في إيران عام 2009.
نحن على قناعة بذلك ومازلنا، لكن لم نكن نخطب ودّ السفير فيما كتبناه، بل ليس هناك تعارف أو علاقة تربطنا، فلم نلتقه قط، ولسنا حريصين على ذلك، بل كان نابع من رؤية لكاتب يراقب المشهد السياسي ويكتب وفقا لذلك، وليست هذه المرة الأولى التي نتناول فيها الشأن الإيراني بل ثمة الكثير من المقالات التي تحدثنا فيها عن إيران وعن أهمية بناء علاقات اقتصادية معها.
وفي كل المرات السابقة لم يُمنع مقالا تناول الشأن الإيراني، وهو ما يؤكد أن المساحة مفتوحة على صفحات الجريدة للتعبير عن الموقف سواء أكان ذلك الموقف مع إيران أو ضده، ذلك أننا إن لم نوفر شأنا محليا نراه يتعارض ومصالح المواطنين إلا وتناولناه في النقد وقد أشبعنا الحكومات الكثير من النقد والنقد القاسي ولم يرفع أي منهم هاتفه شاتما.
بالتالي، إن الوصف الذي وصفه السفير الإيراني في عمان للصحيفة على أنها "مأجورة" لأنها تساءلت في مانشيتها عما يجري في إيران، يعد وصفا غير لائق وخرج فيه السفير عن أصول العمل الدبلوماسي الذي يفرض عليه أن يكون دبلوماسيا في طرحه وتعابيره.
مهمة السفراء تكمن في تمثيل بلادهم أفضل تمثيل، بنقل صورة حسنة وحضارية عنها لدى الشعوب الأخرى، كما أن وظيفة السفير محددة ومعروفة في إطار الدور الدبلوماسي المنوط به، وإن كان قد شعر بأي اساءة لبلاده من أي كان في الدولة التي يعمل بها فإن من واجبه التوجه إلى القنوات المتاحة أمامه لا أن يتصل ليشتم هذا أو ذاك، لذلك نعتقد أن السفير الإيراني أساء لدولته أولا وآخرا فيما صدر عنه.
اليوم، نحن في "الأنباط" نضع الإساءة التي صدرت من سفير إيران بحقنا أمام المسؤولين وأمام نقابة الصحافيين لاتخاذ الإجراء الذي يتناسب مع ذلك، وعند هذا الحد نتوقف حيال هذه القضية ومستمرون على ما نحن عليه في التعاطي مع الشأن الإيراني سواء في التحليلات أو في المقالات باعتبار إيران دولة مركزية مهمة في المنطقة وما يجري فيها يستحق المراقبة والمتابعة.