صراع التحالفات في المنطقة
مروان العمد
منذ عام ومنذ تولي دونالد ترامب صلاحياته كرئيس للولايات المتحدة الأمريكية ومنطقتنا الشرق أوسطية تتقاذفها الامواج وتلقي بها في جميع الاتجاهات وتتغير بها التحالفات والانتماءات والولاءات وحتى المعتقدات والعادات والتقاليد، وأصبحنا نمسي على خبر ونصبح على أخبار وكأنه لم يكفِ هذه المنطقة ويلات الربيع العربي المدمرة في ليبيا وتونس ومصر واليمن والعراق واليمن . وكأنه لم يكف ما صرفه العرب في هذه الدول حتى يقتل العربي شقيقه وصديقه وجاره وابن قريته ومدينته ومحافظته ووطنه وان يدمر بيته ومصنعه ومكتبه ومصدر رزقه. وكأنه لم يكف ان فُتحت حدودنا وأجواؤنا لكل الطائرات والقوات والتنظيمات التي أخذت تُمارس تمارينها بالقتل علينا . وكأنه لم يكف تقاطر الطامعين علينا والذين قدموا من كل حدب وصوب لاقتناص جزء من الغنيمة.
وبعد ان عُقدت التحالفات لإشعال الربيع العربي وتحويل الاحتجاجات الى صراعات مسلحة . وبعد ان هبط على ارض العراق وسورية ما بين ستين الى سبعين ألف ارهابي باسم داعش بأسلحتهم ومعداتهم من غير ان نعرف من أين هبطوا ولا من أين أتوا. وبعد ان عُقدت تحالفات لمحاربة الاٍرهاب والذي كان كلما تجري محاربته تزداد قوته وتتسع رقعه انتشاره، جاء العهد الترامبي وتغيرت الاستراتيجيات وتقلبت التحالفات وانتقل المتقاتلون والمتصارعون من خندق الى خندق واعُلنت حرب تحرير سوريه والعراق من الاٍرهاب وشُنت الهجمات على أماكن تواجدهم ودمرت البيوت وقتل الألوف من المدنيين وتطاير عناصر داعش واختفوا. في الهواء دون ان نشاهد جثه احدهم او صورة لأسير منهم ودون ان نعرف أين اختفوا والى أين ذهبوا ، سوى الإعلان عن انتهاء داعش وسقوط دولتها وانه لم يبق من جيشها الجرار في سوريه والعراق سوى الف فارس و دون ان يظهروا في الدول التي قدموا منها .
عندها أخذت اداره ترامب في تنفيذ مخططاتها الجديدة للمنطقة وهي المطابقة لما قامت به الإدارة الأميركية في أفغانستان عشيه سقوط الحكم الشيوعي فيها وانسحاب القوات الروسية ودخول المجاهدين الى كابول ، حيث أوقعت الفتنه بين تنظيمات المجاهدين فانقلبوا للجهاد ضد بعضهم ولا يزالوا .
وكانت بداية الغيث الخلاف الخليجي الخليجي الذي شغل دول المنطقة عن الصراعات التي تجري فيها واستنزف مواردها وقيام الإدارة الأميركية بإرسال رسائل متناقضة لطرفي الصراع فيه لإدامة أمده وزياده اشتعاله مما أحدث اول اختلال في تحالف الربيع العربي ومحاربه الاٍرهاب . ثم كانت القفزة التي قفزتها تركيا لتضع قواتها على ارض قطر بحجة حمايتها من حلفائها السابقين على الساحة السورية. ولم تتوقف تركيا عند ذلك بل قفزت الى السواحل السودانية لتسكن في جزيرة سواكن لتقيم فيها قاعدة لها لتصبح على مدخل الخليج العربي والبحر الأحمر معاً لتبني نقطتي ارتكاز جديدتين لحلمها الموعود بالإضافة للنقاط التي أقامتها في العراق وسورية. ولتحمي الكعبة المشرفة والمدينة المنورة حسب قول أردوغان باعتبارهما خطوطاً حمراء دون ان يحدد ممن يحميهما هل من حكم آل سعود حلفائه حتى الامس القريب أم من الإيرانيين حلفائه الحاليين في سوريه وقطر. أم ليكون شوكة في حلق النظام المصري العدو اللدود للنظام التركي والذي يرتبط بتحالف مع السعودية والإمارات والبحرين .
ثم توسعت قاعده تغيير التحالفات لتمتد الى اليمن حيث أعلن علي عبدالله صالح تمرده على حلفائه الحوثيين في معركتهم مع الشرعية المدعومة من عاصفه الحزم والتحالف الدولي المساند لها ، ليستغل الحوثيين الفرصة للتخلص من حليفهم اللدود والذي طالما حاربهم سابقاً ويفتكوا به وبأقرب أنصاره اليه ولكي يتوزع بقيه أنصاره عليهم وعلى أعدائهم من ذوي الشرعية ولتستغل ايران الفرصة لزيادة تدخلها ونفوذها في اليمن ولصالح الحوثيين فقط بعد ان تم القضاء على علي عبدالله صالح وليزداد احساس السعودية بالخطر الإيراني وخاصه بعد استهدافها بالصواريخ البالستيه بتكنولوجيا إيرانية والتي أُطلقت على مدنها مكة و الرياض وقصر اليمامة مما جعل من الخطر الإيراني هو الخطر الأكبر والاهم بالنسبة لها وتراجع اهميه القضايا العربية الأخرى بما فيها قضيه القدس والاقصى الشريف ، ودفعها نحو تعميق تحالفها مع الولايات المتحدة الأميركية مما مكن الولايات المتحدة الأمريكية من استثمار هذه الحالة لتمرير مخططاتها في المنطقة وعلى القضية الفلسطينية ، فقام ترامب بإعلان اعترافه بالقدس عاصمه لدوله اسرائيل ونقل سفاره بلاده اليها وما تبع ذلك من ردود فعل مختلفة من دول المنطقة والتي اتسمت اغلبها بالحرص الى عدم قطع خطوطها مع الولايات المتحدة الأميركية ولو كان ذلك على حساب القدس من باب دفع الخطر المباشر والاستعداد في سبيل تحقيق ذلك للتعاون والتعامل مع الخطر غير المباشر كما أصبحوا يعتقدون .
وبهذا اصبح المحور المتحالف مع الولايات المتحدة محاور مختلفة ومتناقضة ومتصارعة مع بعضها مما سوف يجعلها جميعا في حاله من الضعف والتبعية لها من غير ان تقوم باستخدام جنودها وأسلحتها وتوكيل هذه المهمة لدول المنطقة لتمارسه ضد بعضها اذا لزم الامر .
ولتكتمل الصورة وليصبح الجميع تحت نطاق الهيمنة المطلقة ولتبقى جميع التحالفات الجديدة دون إمكانية ان يسيطر احدها على الآخر ، ولإبقائها في حاله صراع دائم دون إمكانيه حسم الامر لصالح طرف على حساب طرف آخر ، انطلقت في ايران سلسلة من الاحتجاجات والمظاهرات وأعمال الشغب والحرق ومصادمات مع اجهزة الامن الإيرانية في مشاهد تعيد الى الاذهان بدايات الأحداث في دول الربيع العربي . فهل هذا من فعل جهات خارجية كما يقول إيران الرسمي؟ وهل للولايات المتحدة الأمريكية علاقة بها مع الأخذ بعين الاعتبار ما قاله ترامب من ان الشعب في إيران ثار على دعم الاٍرهاب الذي يمارسه النظام الإيراني في المنطقة؟ وهل ستذهب الأمور في إيران لمزيد من التصعيد؟ وهل الهدف من تلك الحرائق المشتعلة في شوارع المدن الإيرانية تبريد المخاوف السعودية والخليجية وتقديم الولايات المتحدة الأمريكية لهذه الدول رسالة اطمئنان؟ أم ان الامر لا يعدو ان يكون صراعات داخليه ما بين من يطلق عليهم الاصلاحيون والذي يمثلهم رئيس الجمهورية محمد خاتمي ، وما بين المتشددين والذين يمثلهم المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي الخامنئي ؟ أم ان الامر لا يعدو ان يكون ثوره جياع واحتجاج على تبديد المقدرات الإيرانية لخوض معارك خارجية؟ الله اعلم ولكن الثابت الوحيد ان المنطقة كلها أصبحت داخل أتون الصراع الذي يكاد ان ينفجر ليدمر ما بقي من دولها ولصالح السيد الأميركي وابنه المدلل اسرائيل . ويبقى السؤال ما هو دور الأردن وماذا يراد له في خضم هذه الصراعات والتحالفات وتفاصيل ذلك في حديث آخر.//