عن الاستقالتين بفارق 21 سنة " عمارين والحباشنة"
وليد حسني
لعل أشهر استقالة نيابية شهدها تاريخ مجلس النواب منذ عام 1989 تلك الاستقالة التي قدمها النائب د. نزيه عمارين سنة 1996 احتجاجا على شتائم وتهديدات تلقاها في حينه من رئيس الوزراء آنذاك عبد الكريم الكباريتي إبان انتفاضة الخبز بعد قررت حكومة الكباريتي رفع اسعار الخبز ومواد غذائية رئيسية أخرى من بينها السكر والأرز والحليب وغيرها.
كان ذلك في مجلس النواب الثاني عشر، وأصر النائب د. عمارين على استقالته في تلك الجلسة التاريخية التي عقدت مساءا وحضرها جمع غفير من المواطنين.
وكانت جلسة تاريخية بامتياز لأنها لم تتكرر، كنت يومها في شرفة الصحفيين ارقب مثل غيري مجريات المشهد تماما وكأنه يندفع الان من ذاكرتي مستذكرا ربما كامل تفاصيل تلك الجلسة.
أدار رئيس مجلس النواب آنذاك سعد هايل سرور الجلسة بكل حنكته، وابتدات الجلسة باعتذار قدمه رئيس الوزراء شخصيا للنائب د. نزيه عمارين ولمجلس النواب، بعد ان كان د. عمارين قد رفض كل الوساطات التي مارست ضغوطها عليه لسحب استقالته، وللحقيقة فلم يكن امام ذلك النائب المقدر والمحترم وصاحب الموقف غير الاعلان عن تمسكه باستقالته.
كان اعتذار رئيس الوزراء الكباريتي مدويا وفي مكانه تماما واكد للكل بان الرجل لديه القدرة على الإعتذار دون لجلجلة او تردد، ولم يكن من النائب عمارين غير شكره وامتنانه لذلك الإعتذار الفروسي إل أنه ظل متمسكا باستقالته باعتبارها ملكا للمجلس الذي رفض استقالته بالتصويت.
بعد ذلك لا أذكر ان استقالة نائب عرضت على المجلس، ولا أذكر ان رئيس وزراء قدم اعتذارا لنائب او حتى للشعب، وبالرغم من كثرة الاستقالات التي قدمها نواب عبر المجالس الماضية إلا انها كلها كانت تستهدف مخاطبة الشارع وحجز مساحات في وسائل الاعلام تمنح النائب واستقالته مساحة للحضور المجاني، لأن معظمها كان تستهدف تحقيق الشعبوية، التي كانت مجروحة أكثر مما يجب.
بالأمس تراجع النائب د. صداح الحباشنة عن استقالته قبل مناقشتها تحت القبة بالرغم من عرضها على جدول الأعمال، إثر استجابته للمطالب الشعبية والحزبية والسياسية والبرلمانية .بالعدول عن استقالته..
وانا احاول عقد مقاربة بين استقالة د. عمارين قبل 21 سنة واستقالة د. حباشنة وجدت ان ثمة توافقات بين النائبين المحترمين فهما من الكرك، ومحسوبان على خط المعارضة البرلمانية، كما ان الظروف والمسببات التي دفعت بالنائب عمارين لتقديم استقالته هي ذاتها التي دفعت بالنائب الحباشنة لتقديم استقالته هو الآخر وهي رفع اسعار الخبز، وضعف قوة مجلس النواب في التأثير على القرار الحكومي..الخ.
من حق النائب الاستقالة والتراجع عنها وفقا لمشيئته ووفقا لما يحكمه النظام الداخلي لمجلس النواب، ولا أعتقد هنا أن د. الحباشنه أراد من استقالته الشعبوية والحضور الإعلامي المجاني والمفتوح، ولأنني لم اضطلع على خطابات رنانة للنائب الحباشنة فانني أنفي صفة البحث عن الشعبوية عنه حتى يثبت لي عكس ذلك.
ان استقالة اي نائب من عضوية المجلس لا شك انها ستكون عنوانا مفتوحا في وسائل الإعلام على تنوعها، ولا شك انها ستلقي بحجر ثقيل في بركة راكدة تماما، وستكون عنوانا للحديث والتوقعات والتكهنات وبناء السيناريوهات عند المواطنين خاصة إذا كانت تلك الظروف مثل ظروفنا هذا الأوان، ضعف في الأداء البرلماني، وحكومة تحمل مشروعا اقتصاديا يمس المواطنين بدءا بالخبز وانتهاءا بالكهرباء وما سيتبع ذلك من ارتفاع في اسعار السلع الأخرى، فضلا عن الوضع السياسي وما ينز عنه من تداعيات عقب اعتراف الرئيس الأمريكي بالقدس عاصمة لدولة الإحتلال اليهودي الصهيوني، وحيرة المجلس وعجزه في تحقيق مطالبه بوضع قانون يلغي اتفاقية وادي عربه.
ثمة تقاطعات بين استقالتين فصلت بينها 21 سنة، لكن المشهد يبقى على ما هو عليه، وللحقيقة فانا لم يخالجني الشك بتراجع النائب الحباشنة عن استقالته، او رفض المجلس لها، لكن بالمقابل كنت أكثر خوفا من ان يصل المجلس الى التصويت ويقبل الاستقالة، فقد كانت سكاكين كثيرة متأهبة للإنقضاض عليه حتى لا يصدح ثانية..