الانباط – عواصم ووكالات - مامون العمري
اهتمت الصحافة الامريكية ومصادر دراسات بالعلاقات مع إسرائيل، في اعقاب الخطوة التي اتخذها الرئيس دونالد ترمب بشأن القدس، وتساءلت العديد من هذه الصحف من مثل فورين بوليسي: كيف تراهن إسرائيل على ترمب وهو وسرعان ما يشوه أي شيء يلمسه؟
الانباط تنقل وتتناول ابعاد العلاقة بين الولايات المتحدة الامريكية والكيان الاسرائيلي وماهي التخوفات في الداخل الامريكي واسرار التغيير في السياسة الامريكية في اعقاب قرار ترمب الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل ونقل السفارة الامريكية الى القدس
وبالعودة الى مانشرته المجلة الأميركية (فورين بوليسي ) و مقال للكاتب ديريك تشوليت قال فيه إنه يشعر بالقلق إزاء هذه العلاقة، وذلك لأنها تكشف عن تحد عميق يتمثل في احتمال تدمير ترمب لهذا الدعم الذي تتلقاه إسرائيل من الحزبين الرئيسيين الجمهوري والديمقراطي.
وقال الكاتب إنه يمكن سماع المسؤولين والنخب الإسرائيلية وهي تتحدث عن أن عهد أوباما شكل كارثة غير معتادة بالشرق الأوسط، حيث انسحبت الولايات المتحدة من المنطقة وتعاونت مع إيران وألقت بأصدقائها من العالم العربي على قارعة الطريق.
وأضاف أنه منذ الربيع العربي إلى اتفاق النووي مع إيران تميزت سنوات أوباما بخلافات عميقة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، وأن العلاقة بين أوباما ونتنياهو تفاقمت إلى أبعد الحدود، لكن ذلك لم يمنع استمرار التعاون بين الطرفين على المستويات الأمنية والاستخبارية والعسكرية والمالية.
تلويح بالسيف
وأشار الكاتب إلى أن ترمب ما انفك يقول في كل مناسبة أنه ورث الفوضى من العهد السابق، لكنه بما يتعلق بإسرائيل فقد ورث أساسات جيدة في العلاقة بين الجانبين، وقال إن القادة الإسرائيليين يقبلون على ترمب لأنه يلوّح بالسيف لإيران ولأنه يهدد بالانسحاب من اتفاق النووي مع طهران.
كما أن القادة الإسرائيليين رحبوا بانسحاب الولايات المتحدة من اليونسكو وبموقفها المتشدد من مجلس حقوق الإنسان التابع لـ الأمم المتحدة الذي تعتبره إسرائيل مناهضا لها بشكل فظيع، كما أنهم أحبوا ترمب في أعقاب إعلانه القدس عاصمة لإسرائيل.
واستدرك الكاتب بأنه يستغرب كيف ستمكن هذه الخطوة ترمب من تحقيق توقعه لإبرام اتفاق السلام النهائي نهاية المطاف.
وأضاف أن التأييد لإسرائيل الآن مقتصر على الجمهوريين، وأن الجيل القادم من القادة الديمقراطيين الأميركيين سيقفون ضد أي شيء فعله ترمب، فكيف تراهن إسرائيل عليه؟
وقال أيضا إنه إذا كانت إسرائيل تعتمد على الولايات المتحدة كحليف إستراتيجي، فإنه يعد أمرا حيويا أن يكون هذا الحليف قويا لأن هذه العلاقة لن تكون أفضل مع حليف أميركي متشائم ومعزول وضعيف في العالم.
وأضاف أنه غالبا ما يقال إن ترمب يشوه كل شيء يلمسه، وأنه في أقل من عام في منصبه ترك وراءه بالفعل حطاما كبيرا من الموظفين والسياسات والمبادئ، وأنه على المرء أن يأمل "ألا نقول الشيء ذاته بعد سنوات بشأن ما فعله ترمب للعلاقات بين الولايات المتحدة وإسرائيل".
علاقة ترامب اللاعقلانية بإسرائيل
في ميدل إيست آي كتب طه أوزهان في السادس من كانون الأول ، كشف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، هدية الشعبوية الأمريكية إلى العالم، كما لو كان صهيونيا متعصبا في برنامج تلفزيوني أمريكي محافظ، بإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل.
وانطلاقا من حماسته ونبرته خلال الخطاب، فإن تحديد مدينة عاصمة لبلد آخر من عاصمة بلد ثالث أمر يبعث على الاستغراب حتى من خلال معايير ترامب. وما كان المشهد برمته ليكون أكثر سخافة لو أعلن ترامب أيضا واشنطن عاصمة لإسرائيل.
اللوبي الصهيوني
إن ما حدث في الواقع ، لا يدع مجالا للشك أن واشنطن أصبحت الآن عاصمة لإسرائيل. ولهذا السبب بالضبط، وكمثال على الاستفزاز البدائي، وبمجرد أن انتهى ترامب من خطابه، رفعت أعلام إسرائيلية وأمريكية على أسوار المدينة القديمة في القدس.
لا يوجد أي تحليل يفسر العلاقات الإسرائيلية الأمريكية، سواء في سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط أو في محور واشنطن في السياسة الخارجية أو التقديرات اللاهوتية. ومن الصعب أن نوضح بشكل مقنع شكل تلك العلاقة ومحتواها.
التفسير الوحيد المتبقي هو قوة اللوبي الإسرائيلي، وإن كان على المرء أن يدرسه بعناية حتى لا يبدو سائرا في إطار نظرية المؤامرة.
إن سطوة اللوبي الصهيوني في واشنطن وقدرته على جعل القرار الأمريكي رهينة في يده أمر واقعي. وعندما ينظر إليه من هذا المنظور، فإن ما فعله ترامب في 6 ديسمبر لم يكن سوى مأساة أمريكية أو استسلام لهذا اللوبي.
إن الادعاء بأن الولايات المتحدة التي تحولت من كونها الدولة الأقوى على وجه الأرض إلى قزم يكتسي بعلم الشعبوية، لا يمكن أن يكون قرارها إلا أسيرا بيد إسرائيل، سيكون من قبيل نظرية المؤامرة.
أزمة عميقة
تكمن مشكلة إسرائيل في أنها غارقة في كثير من القضايا والأزمات في الشرق الأوسط، بيد أن مشكلة الولايات المتحدة في الوقت الراهن تطغى على مشكلة إسرائيل. نحن نمر بأزمة عميقة في المنطقة، تشكلها سلسلة من الاحتلالات الأمريكية والهجمات الإسرائيلية على مدى عقود.
إن الاحتلال الإسرائيلي والهجمات على غزة ولبنان والاحتلال الأمريكي لأفغانستان والعراق كانت المصادر الأساسية للأزمات في المنطقة على مدى العقود السبعة الماضية. ولذلك، فإن إعلان ترامب عن القدس لا يختلف عن خطوات التدخل في الدول الأخرى التي اتخذتها الإدارات الأمريكية السابقة والتي لا تستند إلى استراتيجية متماسكة ولا تقدم خريطة طريق مقنعة من حيث السياسات الأمنية أو التخطيط الشامل للسياسات.
ولذلك يجب النظر في قرار ترامب جنبا إلى جنب مع القانون الذي أقره الكونغرس الأمريكي خلال رئاسة بيل كلينتون في 1995 بنقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس.
ومن ثم فمن الصعب أن نختلف مع الرأي القائل بأن السياسة الأمريكية تجاه الشرق الأوسط أصبحت متناقضة. وإذا ما تذكرنا حجم التسونامي الذي سببته عائلة بوش في العراق، والذي ما لبث أن تبعته كوارث سببتها سياسات أوباما في مصر والعراق وسوريا، فيمكننا القول إن ترامب يسير على خطى من سبقوه.
ولعل العقلية الأمريكية والتدخل الأمريكي في الشرق الأوسط هو مصدر المشكلة، حيث إن الشخص الواقعي سوف يلاحظ أنه لا يوجد تفسير منطقي لسؤال كيف خدمت هذه السياسات، ولا سيما المحور الإسرائيلي الواضح، المصالح الأمريكية.
عند هذه النقطة، ليس من الصعب التنبؤ بما قد يحدث بعد ذلك. إن الديمقراطيين والجمهوريين الذين صوتوا بالإجماع (90 إلى صفر) في حزيران/ يونيو الماضي على نقل السفارة الأمريكية إلى القدس، سوف يقفون صفا واحدا وراء هذا القرار لسببين لا علاقة لهما إطلاقا بترامب نفسه: الأول هو اللامبالاة، كما كان الحال مع مسألة غزو العراق، والثاني المأساة الإنسانية في سوريا.
ثانيا، يفضل أنصار العزلة الأمريكية إثارة الغضب العالمي لمواجهة دسائس اللوبي الإسرائيلي وقوته، إذ أن ترامب الذي يمثل الشعوبية الأمريكية تمثيلا واضحا، ويعيش في عقلية الإسلاموفوبيا، اتخذ خطوة من شأنها أن تزيد من غرور إسرائيل.
على أن مساعي إيجاد وترسيخ القدس عاصمة لإسرائيل التي تقع جغرافيا في الشرق الأوسط ولكن عقليا في واشنطن، ما تزال بلا قيمة. إن الدولة التي تطمح إلى مصادرة القدس العاصمة المشتركة لجميع الديانات الإبراهيمية، لا بد أنها تفتقر إلى الحس السليم.
وعلى ذلك فإننا نرتكب خطأ حين نتوقع أن تسير طموحات إسرائيل وفق أي نوع من المنطق، فهي كيان يتشبث بمكانته كمحتل استمرت أحلامه في السيطرة على الأرض على مدى نصف قرن من الزمن.
ومن ثم فإن كل ما تبقى في إسرائيل هو رد الفعل التلقائي للحفاظ على الاحتلال وحماية المكاسب الماضية بأي ثمن. وبهذه الخطوة الأخيرة ربطت إسرائيل مصيرها على المدى القصير بترامب الذي تراه "شبكة أمانها الوحيدة"، إلا أنه قد لا يكون لها مستقبل مشرق معه، فهو أقل الرؤساء الأمريكيين شعبية على الإطلاق.
أمريكا أولا
تلقت استراتيجية ترامب "أمريكا أولا" ضربة مدمرة في هذه الأيام، لأنه لم يتبق أحد في فريقه الذي يعمل لأمريكا، واتهم كلا من صهره، ورئيس حملته الانتخابية، ومستشاره السابق للأمن القومي بالعمل لصالح دول أخرى. في منتصف الحطام الذي خلفه قرار ترامب، لا نعرف بعد ما إذا كان ترامب نفسه سيواجه اتهاما مماثلا، لكن يمكننا أن نرى هذه الحماقات بوصفها "يأسا أمريكيا" وأن نراقب ما سيحدث بعد ذلك. كما يمكننا أن نفعل ما هو أفضل من ذلك بالقول إن قرار ترامب بشأن القدس، الذي يرجح أن يؤدي إلى تأثير الدومينو، لم يكشف فقط عن اللاعقلانية في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، ولكنه يوضح أيضا كيف أن اللوبي الإسرائيلي يُوجّه السياسة الأمريكية.
وما دامت الكتلة القوية المناهضة لترامب في الولايات المتحدة لا تواجه هذه الحقيقة الصارخة، فسوف نستمر في سماع أن ترامب وحده هو من اتخذ القرار بشأن القدس.
على أن الذين عانوا كثيرا وبما فيه الكفاية في الشرق الأوسط لن يمسكوا أنفسهم من الضحك وعلى وجوههم ابتسامة ساخرة تجاه وجود وحش كاره للإسلام والمسلمين في واشنطن ويظن أن بإمكانه تقرير مصير القدس.
القدس: المدينة الخالدة
كتب ماغنوس نوريل هو باحث مساعد في معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى في الحديث عن تبعات الاعلان الامريكي ونقل السفارة الامريكية الى القدس تناول فيها تبعات القرار
قبيل اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل في خطاب ألقاه يوم 6 كانون الأول ، واجهت هذه الخطوة المتوقعة انتقادات شديدة من جانب "أعداء أمريكا التقليديين"، مثل إيران ومختلف الجماعات الإسلامية، وأيضًا من جانب حلفاء أمريكا في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والاتحاد الأوروبي. وقال ترامب – الذي كان قد أبلغ عددًا كبيرًا من أهم الأطراف الفاعلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنيته مسبقًا – إن "الأمر مجرد اعتراف بالواقع – وهو الخطوة الصحيحة". ولكن ما قصده منتقدوه هو أن هذه الخطوة قد تؤدي إلى حدوث اضطرابات والمزيد من العنف، وأنها – وفقًا للمسؤول في "السلطة الفلسطينية" صائب عريقات – تعني تدمير أي فرصة لحل الدولتين.
ومنذ عام 1995 – عندما قرر الكونغرس نقل السفارة الأمريكية إلى القدس – قام كل رئيس أمريكي بالتوقيع على تنازل (يتجدد كل ستة أشهر) لتأجيل الخطوة، بما فيهم الرئيس ترامب. وكان المبرر لذلك أن هذه الخطوة قد تخل بأي مفاوضات سلام مستقبلية بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ولكن ترامب أعاد التأكيد في خطابه على العبارة المتكررة بأن الإسرائيليين والفلسطينيين يجب أن يقرروا الحل النهائي طويل الأمد بأنفسهم. كما ذكر أن نقل السفارة قد يستغرق عدة سنوات.
لذلك، لن يحدث أي تغيير فعلي في المستقبل القريب. وبالطبع، بالنسبة للإسرائيليين، فإن القدس عاصمتهم منذ 13 كانون الأول/ديسمبر 1949، ولا يوجد في خطاب ترامب ما قد يعيق أي من الطرفين عن التفاوض على اتخاذ القدس عاصمةً لدولتين، ولا ما ينفي أي مطالبات فلسطينية بالقدس. لا بل أكد على أهمية الحفاظ على الوضع القائم في ما يتعلق بالأماكن المقدسة.
والواقع أن حل الدولتين مع اتخاذ القدس عاصمةً لكليهما كان جزءًا من كل مقترح إسرائيلي منذ عهد إيهود باراك حتى اليوم. وكان الفلسطينيون هم من يرفضون المقترحات الأكثر تأثيرًا، مثل مقترح باراك في كامب ديفيد عام 2000 و"معايير كلينتون" في كانون الأول/ديسمبر من العام نفسه واقتراح إيهود أولمرت عام 2008.
ومع ذلك، يمكن انتقاد ترامب لافتقاده بعض النقاط الرئيسية، أولها أنه كان من الممكن أن يصيغ الأمر بشكل أفضل. فقد كان من الأسهل أن يوضح بشكل صريح أن الجزء الغربي من القدس هو المقصود. أما الآن فغموض تصريحاته يجعل من السهل على منتقديه أن ينقضّوا على هذا الإغفال بحجة وجود "أجندة خفية" تهدف إلى حرمان الفلسطينيين من أية حقوق. أما ثاني هذه النقاط فهو التوقيت. فإذا كان قد ربط هذا الاعتراف بخطة السلام الجارية (كما يُزعم)، لكان من الأسهل ضمه إلى عملية سلام أوسع نطاقًا، ما يحد من تأثيرها.
وفي الوقت عينه، إن حساسية قضية القدس تجعل منها نقطة اشتعال محتملة، ليس بسبب ما قاله ترامب، ولكن لأن الأطراف الفاعلة الأخرى قد تقرر استغلال خطابه كذريعة للتحرك. وبالنسبة لمنتقدي ترامب الكثيرين، سيكون من المنطقي والنضج السياسي العمل مع مفاوضات متجددة ومطالبة الولايات المتحدة بتقديم بعض المقترحات الجادة أو طرح مقترحات جديدة بأنفسهم، بصرف النظر عن مدى اختلافهم مع النهج الحالي للولايات المتحدة.
وفي هذا الصدد، ينبغي ذكر روسيا بشكل خاص. فقد اعترفت روسيا بالقدس الغربية عاصمةً لإسرائيل في نيسان/أبريل، وأيّدت في الوقت عينه القدس الشرقية عاصمةً مستقبلية لفلسطين. وبذلك، أصبحت روسيا الدولة الأولى التي تقوم بذلك، ولكن الأمر مضى من دون أي إشارة تذكر في أي من وسائل الإعلام الكبرى، ولا حتى اعتراضات من الاتحاد الأوروبي أو أي مطالبات لعقد اجتماع لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.
وعلى ذكر الاتحاد الأوروبي، فإن سياسة التشبث بالفكرة البالية بأن القدس كيان منفصل غير مجدية. فقد ضُمت هذه الفكرة في أول مقترحات الأمم المتحدة لتقسيم الانتداب البريطاني على فلسطين إلى دولتين، ولكنها اندثرت مباشرةً بعد حرب 1948-1949. والجدير بالذكر أن النظام اليهودي وافق على هذه الخطة، ولكن العرب – بما فيهم الفلسطينيين – رفضوا (ولكن يجب الإشارة هنا إلى أن القيادة الفلسطينية لم تكن منتخبة ديمقراطيًا في ذلك الوقت، وبالتالي فمن الصعب معرفة ما إذا كان الشعب الفلسطيني قد فكر بجدية في خطة التقسيم). ولطالما كانت فكرة القدس ككيان مستقل مجرد خيال لا وجود له إلا على الورق، وذلك بسبب رفض العرب لخطة التقسيم عام 1947 وخوضهم الحرب لمنع تنفيذها. وقد أدى الفشل في ذلك إلى تقسيم المدينة. فقد أصبح الجزء الغربي غير الديني إسرائيليًا (وبالتالي تحول هذا الجزء إلى العاصمة)، بينما أصبح الجزء الشرقي – بما يحتوي من جميع المواقع الدينية المهمة – تحت سيطرة الأردن (التي منعت دخول اليهود إلى أماكنهم المقدسة في القدس الشرقية). لذلك، عندما اعترفت الولايات المتحدة بإسرائيل عقب استقلالها، كان من الأسهل أن تعترف أيضًا بالقدس الغربية عاصمةً لها.
والجدير بالذكر أيضًا أن الموقف الحالي للمجتمع الدولي لم ينجح في دفع عملية السلام بين الإسرائيليين والفلسطينيين إلى الأمام. وقد جاءت النجاحات الوحيدة نتيجةً للمفاوضات المباشرة بين الطرفين. وكما ذكر آنفًا، لا يوجد في خطاب ترامب أو حتى في الخطوة النهائية لنقل السفارة ما يمنع أي تقسيم للقدس كعاصمة للدولتين.
وبالفعل، أدت هذه الخطوة إلى اندلاع العنف (ومن المؤكد أن المزيد سوف يحدث، وإن لم يكن بالضرورة في المنطقة)، ولكن ذلك لأن العديد من الأطراف – بما فيها حماس وإيران و"حزب الله" – لديها مصلحة في تصعيد الأمور لإحباط أي عملية سلام في مهدها. وقد لا ينتج ذلك بالضرورة عن أي شيء قاله ترامب، فهذا العنف يتعلق أكثر بوجود معارضة لأي سيادة يهودية في القدس. وفي هذا الصدد، ساعد الاعتراف في مكافحة الفكرة الخيالية الماكرة والمعادية للسامية – التي نشرها بعض الفلسطينيين وحتى قرارات اليونسكو – بأنه ما من حقوق يهودية وإسرائيلية شرعية في القدس. وبالطبع، فإن الفلسطينيين هم الضحية الأولى لهذا الموقف.
أما العنف والاضطرابات التي اندلعت في القدس والضفة الغربية وغزة، فلم تكن بالقدر المتوقع. وبما أنني متواجد في القدس حاليًا، تمكنتُ من متابعة المشهد من المدينة، كما استطعت التنقل في الضفة الغربية (في المنطقتين أ و ب). وبصرف النظر عن بعض الاضطرابات البسيطة، فقد تركّز العنف محليًا إلى حد كبير. وإن القدس قضية مهمة وحساسة بالنسبة للفلسطينيين، ولكن ما لم يتسبب الإسلاميون المتشددون (أو المنفردون المحليون) في إلحاق خسائر خطيرة، سيظل العنف محدودًا. ومن أهم الأسباب وراء ذلك التعاون الأمني المستمر بين إسرائيل والأمن الفلسطيني (على خلاف ما حدث في تموز/يوليو حول "جبل الهيكل")، والتفاهم القائم بين حركتَي "فتح" و"حماس" حول إبقاء العنف محدودًا، أقلّه في الوقت الراهن.
ومن المتوقع أيضًا أن "السلطة الفلسطينية" – وبالتأكيد عدد كبير من حلفائها العرب – ستتردد في المشاركة في أي عمليات سلام جديدة في الوقت الراهن، وذلك احتجاجًا ضد الإدارة الأمريكية. ولكن حسب خطة السلام الجديدة الجاري العمل عليها في واشنطن، قد يتغير هذا الموقف قبيل إعلان هذه الخطة، وذلك لن يحدث قبل العام المقبل. وفي الوقت عينه، هناك دلائل على أن غضب الجميع من اعتراف ترامب بالقدس عاصمةً لإسرائيل لن يعيق العمل مع واشنطن على قضايا أخرى أكثر إلحاحًا.
أما بالنسبة إلى عباس (و"السلطة الفلسطينية")، فقد يتسبب خطاب ترامب في تبديل الوضع داخل النظام الفلسطيني، وهو أمر ضروري للغاية. ولمساعدة شعبه على العودة بقوة بعد أن تهدأ الأمور، يمكن لعباس المبادرة بإصلاحات سياسية ودعوة الجماعات الأخرى إلى "السلطة الفلسطينية" (بدلًا من مساعديه فحسب) وفتح المجال أمام العملية الانتخابية، وأخيرًا الإعلان عن انتخابات جديدة. وانتُخب عباس رئيسًا يوم 15 كانون الثاني/يناير 2005، وعلى الرغم من انتهاء ولايته يوم 9 كانون الثاني/يناير 2009 (بحسب الدستور الفلسطيني)، يرفض الاستقالة أو إجراء انتخابات جديدة. وعلى عكس ما يقوله منتقدو ترامب، فإن عملية تفاوض متجددة حول السلام والقدس يمكنها فتح آفاق جديدة أمام الفلسطينيين للتوصل إلى اتفاق سلام متماسك مع إسرائيل. ويمكن لعودة القدس على رأس جدول الأعمال أن تكون لصالح "السلطة الفلسطينية". وكما كتب هنا محمد الدجاني ومئير مرغليت منذ فترة قصيرة، فإن سكان القدس الفلسطينيين – الذين يشكلون 40% من عدد السكان الإجمالي- يمكنهم استخدام حقهم في التصويت لقلب الأوضاع في مجلس مدينة القدس. وبحسب الدجاني و مرغليت، فإن استخدام حق التصويت يتيح للفلسطينيين فرصةً جيدة للنهوض بحقوقهم والحرص على عدم نسيانها في أي مفاوضات سلام مستقبلية.
ويفيد التقييم الحالي بأن "السلطة الفلسطينية" – على الرغم من خطابها الناري – لا تريد التصعيد. وقد نقل هذه الرسالة إلى هذا المحلل أحد أعضاء المجلس التنفيذي لـ “السلطة الفلسطينية"، والذي أضاف أن السلطة تهدف إلى نوع من التصريحات الإيجابية فيما يتعلق بالحقوق الفلسطينية في القدس.
وبالنسبة إلى الكثير من منتقدي خطاب ترامب الذي أعلن فيه اعترافه بالقدس عاصمةً لإسرائيل، فقد قُضي الأمر بالتأكيد، ما أجبر الجميع على تقبل هذا الواقع الجديد. وللخروج من هذا الموقف بأي قدر من المصداقية، يُقترح أنه بدلًا من إصدار التصريحات أو انتهاج سياسية العنف أو محاولة الأمر ذاته مرارًا وتكرارًا (وهو بالمناسبة تعريف منتشر للجنون)، سيكون من البنّاء أكثر أن يقدموا بعض الاقتراحات الجدية بأنفسهم للتوصل أخيرًا إلى حل طويل الأمد للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني.