وليد حسني
مهما أنجزت الدولة من مشاريع وخطط تطال كامل المناحي الحياتية السياسية والاجتماعية والإقتصادية فإن المشكلة الأساسية التي تعتبر العقبة الكأداء امام أي تطور في الأردن تتمثل في النقل العام وحجم تخلفه مما يبقي كل عملية بناء وتطوير ناقصة تماما ومهددة بالفشل.
ولا اعتقد ان احدا من المخططين او المفكرين الإستراتيجيين الذين يتولون التخطيط للتنمية والإصلاح ومجاراة تطورات العصر يغمضون أعينهم عن مدى اهمية الدور الذي يلعبه قطاع النقل في تحسين البيئة الحياتية للمواطنين، فضلا عن مساهمته المباشرة في تحفيز حركة النقل والتنقل بما في ذلك نقل البضائع وسهولة الوصول من وإلى أي مكان في المملكة.
المشكلة الرئيسية ان مجمل الخطط الإقتصادية الإصلاحية التي تم وضعها خلال العقود الثلاثة الماضية بدت قاصرة تماما عن التشبث بفكرة ان أي حركة إصلاح في البلد إن لم تبدأ من إصلاح قطاع النقل وتطويره فإن فكرة الإصلاح نفسها ستبقى مشوهة تماما ولن تجد البيئة التحتية الحاضنة لتطبيق وتحفيز حركة الإصلاح ومشاريعها المنشودة.
من هنا بدت كل مشاريعنا وأفكارنا تعتورها تلك المشكلة الأساسية والتي لا يمكن مع إنعدامها وتشوهها المساهمة في تحفيز حركة الإصلاح، وهذا ما نلمسه للأسف على أرض الواقع، إذ لا يزال قطاع النقل العام في بلدنا من أسوأ القطاعات أداء وإنتاجا، مما ينعكس سلبا على مخرجات التنمية والإصلاح بكل أبعادها الإقتصادية والإجتماعية.
نحن بحاجة لثورة إصلاحية حقيقية لا بد وأن تبدأ أولا من إصلاح قطاع النقل باعتباره اللبنة التأسيسية الرئيسية لأية مشاريع تطال كل القطاعات في مجتمعنا، وبغير ذلك سنبقى ندور في حلقة مغلقة تماما فما إن نغادر نقطة الإنطلاق حتى نعود إليها منهكين ومتعبين دونما تحقيق أية نتائج تذكر.
عندما بدأ البناءون الأوائل في تشييد امريكا بدأوا بانشاء السكك الحديدية وتطويرها وهي التي ساعدت في بناء أمريكا الحديثة، وكذلك اوروبا عندما باشرت إعادة بناء ما دمرته حربهم العالمية الثانية بداوا بشبكات الطرق والنقل.
واليوم نلحظ بكل بساطة الفارق الكبير في أسعار الأراضي التي تصلها الطرق وتلك التي لا تزال بعيدة عن شبكة المواصلات، وهذا مثل في غاية البساطة يصلح للتدليل على ما أقوله وأعتقده هنا.
ما الذي يمنع توجه الحكومات للإستثمار في بناء شبكة سكك حديدية تربط جميع المحافظات الأردنية بقطارات حديثة؟ وما الذي يمنع من أن تكون في العاصمة شبكة خطوط مترو، وكذلك الحال في المدن الكبرى في الزرقاء واربد على سبيل المثال، فضلا عن إعادة التفكير جديا في وضع شبكة الطرق البرية التي تحتاج هذا الأوان وبالضرورة إلى إعادة التقييم وإعادة التاهيل.
شبكة الطرق العاملة حاليا لم تعد مجدية تماما، ويكفي النظر الى حجم الأزمات المرورية الكبرى التي تعانيها العاصمة عمان ومدن أخرى، وما ينتج عنها من ضياع الوقت، واستهلاك الطاقة، وارتفاع نسب التلوث البيئي، عدا عن الأزمات النفسية وحالات التوتر التي تصيب كل من تحف به أزمة مرورية قد تجعله يتجمد في مكانه لساعة أو اكثر.
لدينا أزمة حقيقية ضاربة في الجذور تتعلق بقطاع النقل العام وبشبكة الطرق، وبفاتورة الطاقة والوقود، وأكاد اجزم بكل يقين لو توافرت في البلد شبكة نقل عام متطورة ودقيقة فإن معظم المواطنين سيتخلون عن استخدام سياراتهم الخاصة والتوجه الى اعمالهم وقضاء شؤونهم عن طريق النقل العام، مما سيخفض تماما فاتورة النفط، وقد تنعدم الأزمات المرورية تماما.
هذه عجالة في قضية من اهم واخطر القضايا التي يتوجب على الدولة والحكومات النظر اليها بجدية تامة والتعامل معها باعتبارها مفتاحا لمعظم ازماتنا، وطريقا جيدا لتحقيق ما نصبو اليه كمواطنين نتمنى ان تكون حياتنا أكثر سهولة مما نعيشه الآن..//