قال رئيس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد محمد العلاف ، أن السياسة الاردنية في مكافحة الفساد تقوم على اربع مقومات اساسية في مقدمتها ، ان مكافحة الفساد قضية وطنية على درجة عالية من الاهمية والحساسية يوليها الرأي العام الاردني اهتماما واسعاً علاوة على انها مسؤولية وطنية كبرى تتطلب معالجة حكومية دقيقة بمشاركة فاعلة من كافة ادوات الدولة وعناصر البيئة الوطنية كالأسرة ، والمدرسة ، وشرائح النخب الوطنية ، مبينا ان المقوم الثاني يكمن في ان ترسيخ معايير النزاهة في مؤسسات الادارة العامة تشكل الارضية السياسية والمجتمعية الضرورية لنجاح اعمال مكافحة الفساد فيما يرتكز المقوم الثالث على ان الاصلاح الاداري الشامل في مؤسسات الادارة العامة وتسهيل تقديم الخدمات العامة بجودة عالية وشفافية كاملة هو ما يعطي ادوات مكافحة الفساد والوقاية منه الفاعلية والمهنية المطلوبة .
وبين السيد العلاف الذي القى كلمة الاردن امس في اجتماعات المؤتمر السابع للدول الاطراف في الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد الذي بدأ جلساته في فيينا الاثنين ، ان تطوير قدرات الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون يعطي منظومة مكافحة الفساد باكملها المصداقية السياسية المطلوبة لنجاح اعمال مكافحة الفساد وهذا يشكل المقوم الرابع من مقومات مكافحة الفساد في المملكة .
وأضاف في كلمته امام وفود 183 دولة تشارك في المؤتمر أن الاردن شهد خلال السنوات العشر الماضية تطورات نوعية واسعة في جهوده الوطنية لمكافحة الفساد ، بدأت عام 2006 بتشكيل هيئة وطنية مستقلة لمكافحة الفساد رافقها تشكيل عددٍ من الاجهزة الوطنية الموازية في نطاق واسع من التخصصات كالغذاء والدواء ، والمواصفات والمقاييس ، وهيئة الاوراق المالية ، وغسل الاموال وتمويل الارهاب، ومراقبة الشركات ، ومكافحة التهريب ، والجريمة والمخدرات ، والتهرب الضريبي والجمركي ، ومنظومة الرقابات الادارية والمالية الداخلية في الادارات الحكومية المتعددة ، بالاضافة الى الجهاز التاريخي المعروف بديوان المحاسبة وعددٍ اخر من المؤسسات الوطنية الهامة كل ضمن نطاق تخصصه.
ونوه بأنه رافق كل ذلك سلسلة من اعمال التشريع المنهجي المنظم والمنسجم مع التطورات في القطاعات المهنية المتعددة تهدف بمجملها الى تضييق المساحات امام الفساد وتقليل فرص الاساءة الى المال العام وتطويق جرائم الفساد وفقا لِمَ اشار اليها الفصل الثالث للاتفاقية الدولية الذي عالج موضوع ( التجريم وانفاذ القانون). وربما يكون قانون النزاهة ومكافحة الفساد الاردني رقم 13 لسنة 2016 ومرفقه نظام حماية الشهود والمبلغين والخبراء هو المنتج التشريعي الاكثر اهمية في هذه التطورات حيث احدث هذا القانون نقلةً نوعية في الوظائف والمسؤوليات الاساسية لهيئة النزاهة ومكافحة الفساد ونقلها الى مستويات جديدة في اعمال المكافحة تتلاءم تماماً مع الاتجاهات الدولية في تصنيف جرائم الفساد ، واليات انفاذ القانون وتدابير الوقاية والمنع والردع ، وتبادل المعلومات ، ومتطلبات حماية المبلغين والشهود والمخبرين والخبراء.
وأشار السيد العلاف في كلمته الى الورقة الملكية النقاشية السادسة بعنوان "سيادة القانون اساس الدولة المدنية" التي اصدرها جلالة الملك عبد الله الثاني والتي شكلت قوة وجدية الارادة السياسية الاردنية في بناء نظام مساءلة سياسي / قانوني يلزم القيادات الوطنية بتحمل مسؤولية سياساتهم وقراراتهم وخططهم واجراءاتهم بما يقود الى حالة يسود فيها القانون وتطبق فيها معايير النزاهة الوطنية في مؤسسات القطاع العام مشكلةً بذلك ارضية سياسية مجتمعية فاعلة لمكافحة الفساد.
وتناول رئيس هيئة النزاهة ومكافحة الفساد وضمن هذا السياق وفي اطار الاصلاح السياسي الشامل ما تم انجازه في بداية هذا العام من عملية مراجعة وتطوير كبرى واسعة النظاق قامت بها لجنة ملكية خاصة (لتطوير الجهاز القضائي وتعزيز سيادة القانون) شملت منظومة القضاء الاردني باكملها واستهدفت ، تعزيز استقلال القضاء ،وتطوير التشريعات الوطنية المنظمة لعملية التقاضي ، وتسريع اجراءات التقاضي بادخال الخدمات الالكترونية اضافة الى اصلاح وتطوير نظام العدالة الجنائية في البلاد.
وبين أن التطور الابرز الذي شهدته السياسة الاردنية خلال السنوات الخمس الماضية في اعمال مكافحة الفساد تمثل في اقرار (ميثاق النزاهة الوطنية) الذي وصفه جلالة الملك بأنه علامة فارقة في مسيرة الاصلاح الشامل وبأن هذا الميثاق يمثل رؤية سياسية استراتيجية متكاملة ويهدف الى ترسيخ خمسة مبادئ في ستة اتجاهات هي: سيادة القانون ، والحاكمية الرشيدة ، والشفافية في اعمال الادارة العامة ، والعدالة والمساواه وتكافؤ الفرص ، والمساءلة والمحاسبة.
اما الاتجاهات الستة فهي:
السلطة التنفيذية ، السلطة التشريعية ، السلطة القضائية ، القطاع الخاص ، الاحزاب والنقابات ، والهيئات غير الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني ، ووسائل الاعلام.
وقال أن المبادئ الانسانية العليا هي التي تشكل اليوم العمود الفقري للاستراتيجية الوطنية للنزاهة ومكافحة الفساد في الاردن 2017 – 2025. التي وضعت موضع التطبيق في بداية هذا العام ، وتهدف الى "خلق بيئة مناهضة للفساد" تقوم على رؤية تتواصل مع كافة الشرائح الوطنية ، تؤصّل القيم الوطنية والتراثية ، وتكرس قيم النزاهة ومعايير السلوك الفردي والمؤسسي بصفتها المبادئ التي تنظم ادارة الموارد في الدولة وتمنع الهدر في المال العام.
وبين أن (الترتيبات الوقائية) في هذه الاستراتيجية تشكل الجهد الرئيسي لمكافحة الفساد من خلال ترسيخ معايير النزاهة في مفاصل الادارة العامة كما اقرها الميثاق الوطني بوصفها خط الدفاع الاول ضد الفساد ، مصحوبة بسياسة توعية وطنية شاملة ومنتظمة لكافة شرائح المجتمع حول مخاطر الفساد واضراره ، بالاضافة الى اجراءات الرصد والردع والمنع وتبادل المعلومات واستباق احداث الفساد قبل وقوعها. كل ذلك مستوحى من احكام الفصل الثاني للاتفاقية الدولية وينسجم مع اغراضها.
ويقع في هذا الاطار التضييق على الفساد ومراقبة المواقع المولدة للمال العام ومواقع التداول فيه ومتابعة قرارات استخدامه وتوظيفه للاغراض الوطنية.
وفي اطار (انفاذ القانون) بين ان تركيز الاستراتيجية الوطنية ينصب على بناء القدرات البشرية والفنية والتقنية ، وتطوير البنية التحتية ، والمساعدة القانونية المتبادلة ،
كما تتضمن محوراً لمراجعة التشريعات الوطنية وتطويرها وبناء القدرات المؤسسية التي تشارك في الحرب على الفساد.
وادراكاً من هيئة النزاهة ومكافحة الفساد لحقيقة راسخة بأن الجهود الدولية المشتركة تقدم فرصاً أفضل للفوز في معركة المكافحة ضد الفساد من الفرص التي تمثلها الجهود الفردية للدول ، فقد تضمنت الاستراتيجية الاردنية برامج شراكات استراتيجية وبرامج تعاونية مع عدد من الشركاء المحللين والاقليميين والدوليين.
فعلى الصعيد المحلي تم انجاز عددٍ من اتفاقيات الشراكة الاستراتيجية بين الهيئة وعدد من اجهزة الدولة الرئيسية وادواتها المتعددة .أما على الصعيد الاقليمي فان الشبكة العربية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد قد اثبتت قيمة العمل الاقليمي المشترك في صراعنا المشترك مع الفساد.
كما تطورت في الاردن عبر السنوات عدة اليات عمل تعاونية وبرامج عمل مشتركة مع جهات دولية متعددة كالاتحاد الاوروبي ومجلس اوروبا والبنك الدولي وبرنامج الامم المتحدة الانمائي UNDP ومكتب الامم المتحدة للمخدرات والجريمة UNDOC ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية OECD ، والاكاديمية الدولية لمكافحة الفساد . بالاضافة الى عدد كبير من برامج التعاون الثنائي مع الحكومات الصديقة. تضمنت اعمال مشتركة في مجالات متعددة مثل تقييم وادارة مخاطر الفساد في قطاعات محددة ، حوكمة الشركات ، مخاطر الفساد في قطاع الانشاءات ، انظمة المشتريات الوطنية ، الاوامر التغييرية والعديد من الجوانب الاخرى.
واكد بأن مشاركة الاردن في الجهود الدولية الرامية لمكافحة الفساد ، ومن ضمنها اعمال هذه الدورة تعبيراً عن الارادة السياسية الجادة للحكومة الاردنية ، وايماناً منها بضرورة التصدي لآفة العصر انسجاماً مع روح الاتفاقية الدولية والتزاماً باحكامها وادراكاً منها للدور المحوري الذي يمكن للمجتمع الدولي بكافة مؤسساته وادواته ان يقوم به في مكافحة الفساد في اطار من التعاون والشراكة بين الدول الاطراف كما نص عليه الفصل الرابع من الاتفاقية الدولية ومن هذا المنطلق فقد كان الاردن من الدول الفاعلة في مراحل التحضير والاعداد لهذه الاتفاقية ومن اوائل الدول التي وقعتها وصادقت عليها وقد كان له شرف استضافة المؤتمر الأول للدول الأطراف في عمان في ديسمبر 2006. وعلى المستوى الاقليمي فقد اظهر الاردن اهتماماً كبيراً بانشاء شبكة اقليمية تقوم على التبادل الفعال بين الدول العربية لمكافحة الفساد وقد كان المؤتمر الاقليمي الاول الذي استضافه الاردن برعاية البرنامج التنموي التابع للامم المتحدة UNDP عام 2008 لبحث الاتفاقية الدولية لمكافحة الفساد واليات الدعم والتطبيق لها في المنطقة العربية نموذجاً لسياسة التواصل الاردنية مع محيطها العربي في قضايا التعاون الدولي في مكافحة الفساد ، ولعل النجاح الاكيد الذي اسفر عنه ذلك اللقاء هو (بيان البحر الميت) الذي تضمن توصية الدول العربية التسع عشرة انذاك بانشاء شبكة عربية متخصصة لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد لازالت قائمة حتى اليوم.
ويشارك بالوفد الاردني الذي يرأسه السيد العلاف د ميسون القيسي عضو مجلس الهيئة ومدير التعاون الدولي خلود العوران .