يوم للفلسفة.. وامل بتدريسها
وليد حسني
يصادف في السادس عشر من الشهر الجاري اليوم العالمي للفلسفة، وهو يوم أقرته منظمة اليونسكو واحتفل به لأول مرة في الحادي والعشرين من شهر تشرين ثاني سنة 2002، واعتبرت اليونسكو ثالث يوم خميس من شهر تشرين الثاني هو يوما عالميا للفلسفة.
هذا اليوم يعني احتفال العالم بطرح الأسئلة الإنسانية الكبرى، وبإعمال العقل، وتحدي الجهل، وصناعة الفكر والتفكير، والتريض في معالم الكون بالعقل والمنطق، إنه يوم اشبه بإحياء ذكرى الموتى الأعزاء علينا على نحو الحكمة، والعقل، والتعقل، واستكشاف الإنسان فينا، وصناعة السلام الذهني بين الكون والطبيعة والإنسان.
لا أدري إن كانت ثمة احتفالات رسمية وشعبية وأكاديمية ستقام في الأردن إحياء لهذه الذكرى العطرة لميتنا الذي قبرناه ذات دهر عندما تخاصم العقل والنقل، وحينما احترب التتريثي السلفي مع المستقبل وقابلات الأيام، ولم يكن بد للسياسي من التدخل إنتصارا لتحالفه المصلحي مع التراث وميليشيا النقل.
ولا أرى بدا من التأشير هنا في هذه العجالة إلى ان الفلسفة الإسلامية في كل نطاقاتها بدت فلسفة مبشرة وواعدة ومنطلقة وجريئة وتجاوزت المنطوق الفلسفي الأثيني ورجالاته الأشاوس، من ارسطو الى افلاطون الى سقراط، فقد قوَّم العقل الإسلامي طروحاتهم واعادها الى سياقاتها في طبخة فلسفية عربية اسلامية.
كذا فعل الشارح الأكبر ابن رشد في التراث الأرسطي والأفلاطوني، وكذا فعل اخرون كثر قبل أن ينتصر التريثي الناقل على المستقبلي العاقل، فاحرقت كتب القوم، وسيم ابن رشد المهانة، وطورد المتكلمون، وغصت بهم السجون، ولم يعد للمعتزلة أرباب العقل وأسياده أية مكانة في مجتمع رضي الغرق تماما في المنقول على حساب المعقول.
وليست لدي الرغبة في التطويل هنا فهذا بحر لم نخض ساحله، ولكنني أجدني مدفوعا لتجديد دعواتي المتتالية منذ سنوات للخروج من التقليدية الفجة في مناهج التربية والتعليم في مدارسنا وجامعاتنا إلى تدريس الفلسفة واعتبارها منهاجا تعليميا اساسيا ربما من الممكن المباشرة به من المراحل الدراسية الأولى لتهيئة العقل الطلابي لتقبل الدرس الفلسفي لاحقا.
في خمسينيات القرن المنصرم كانت الفلسفة منهاجا تعليميا أساسيا قبل الإنقلاب عليها والغائها، وفي هذا الأوان نبدو أننا أكثر حاجة للعودة لإسترداد موتانا من قبورهم ، ولربما بإمكاني الزعم بجرأة اتحمل مسؤوليتها وحدي ان كل مناهجنا الدراسية لا تحتوي أية إشارات تكفي لتوجيه عقل الطالب إلى الفلسفة باعتبارها علما لكيفية تصالح العقل مع الكون والنفس والذات والمعتقد والناس، وهذا ابسط ما يمكن وصفه للثوب الفلسفي المهيب.
في مدارسنا نحتاج لقفزات نوعية وجريئة لغايات إعادة الإستثمار في العقل الطفل لأجيالنا المقبلة، وكنت ولم ازل على قناعة راسخة بأن الأجيال الحالية لم تعد تتقبل فكرة التجديد والتطور وما يتبع ذلك عادة من طرائق التفكير والسلوكيات الجديدة، ولذلك فبدلا من ان نقود الشعب بكامله الى عيادة الطب النفسي لتعديل سلوكياته، لنكتفي بالبدء من جديد بالإستثمار في الأجيال المقبلة تلك التي ستحمل الأردن الى أفاق اوسع وأرحب قبل ان ينتصف هذا القرن وعندها لن تكون لدينا أية فرصة للعض على الأصابع وليت ساعة مندم.
إن تدريس الفلسفة في مدارسنا سينعكس إيجابا على صناعة التفكير لدى طلابنا، وسنراه ينعكس في سلوكياتهم، وفي أساليب تعاملهم مع الآخر، وفي تقبل الحوار والتعايش مع الخلاف والإختلاف، والأهم من ذلك كله سينشأ جيل متكامل يتقن تماما كيف يسأل، وكيف يفسر وكيف يحلل، ويكف يربط النتائج والمعطيات ببعضها البعض، وكيف يطرح النتائج ويختبرها.
الدرس الفلسفي في مدارسنا بوابة لعبور المستقبل إذا ما اقترن أيضا بتقريب العلوم البحتة للطلبة وتقريب الفيزياء والكيمياء والرياضيات، والفضاء والكون، وكلها بوابات مشرعة امامنا لصناعة جيل بعقل يعرف كيف يوظف عقله، وكيف يوجهه، وكيف يصنع منه عالَما بعقل..//