الأنباط -
د. دانا خليل الشلول
في العاشر من ديسمبر من كل عام، يتجدد الاحتفال باليوم العالمي لحقوق الإنسان، وهو مناسبة تتطلب إجلال المبادئ الإنسانية وتثمين الأصوات التي تتولى مهمة الدفاع عن الكرامة الإنسانية في أشد الظروف، وفي خضم عالم تتزايد فيه تحديات النزاع والتهميش، تبرز جلالة الملكة رانيا العبدالله المعظّمة كصوت عالمي رائد، يربط بثبات ووضوح بين الحقوق الأساسية للإنسان والتحديات الراهنة للأزمات الدولية.
الملكة رانيا بين التعليم والتمكين: ركائز حقوق الإنسان المستدامة:
بينما لم تكن جهود جلالة الملكة رانيا العبدالله المعظّمة في مجال حقوق الإنسان مجرد ردود فعل آنية على الأزمات، بل هي نِتاج رؤية استراتيجية طويلة المدى بدأت بالتركيز على الاستثمار في الكرامة الإنسانية بوصفها أساساً للتنمية المستدامة.
فقد كان التعليم دوماً في صلب هذه الرؤية؛ إذ لم تعتبره جلالتها مجرد حقٍ فحسب، بل ركزت عليه بكونه البوابة الأسمى للتمكين والمساواة والارتقاء بالمجتمعات، فمن خلال مبادرات جلالة الملكة رانيا العبدالله المعظّمة، مثل "مدرستي" وجهودها لدعم إصلاح المناهج، وحرصها أن تواكب تطور العلم والتكنولوجيا، عملت جلالتها على ضمان حق كل طفل في الوصول إلى تعليم نوعي ومتميز. ولترسيخ هذا الحق النوعي، أسست جلالتها جائزة الملكة رانيا للمعلم المتميز وجائزة المدير المتميز.
كما لعبت جلالة الملكة رانيا العبدالله المعظّمة دوراً محورياً في تمكين المرأة والشباب، فقد ربطت التنمية الاقتصادية والاجتماعية بالحقوق، وسعت بجديّةٍ لتشجيع النساء على التقدم والارتقاء، وتمكين المرأة اقتصادياً وسياسياً من خلال دعم المشاريع الريادية؛ حيث إنَّ هذا الدعم يُرسّخ مبدأ أنَّ بناء مجتمعٍ سليمٍ يقتضي إزالة كافة الحواجز أمام مشاركة نصف المجتمع في عجلة التقدم، وهو ما يتسق مع المبادئ الدولية لحقوق الإنسان.
الدفاع عن التنوع: تجسير الفجوات الثقافية:
وإلى جانب العمل التنموي والإنساني، اضطلعت جلالة الملكة رانيا العبدالله المعظّمة بدورٍ محوريٍ في الدفاع عن حق الإنسان في احترام هويّته وتنوّعه، فقد عملت جلالتها على تعزيز الحوار والتفاهم بين الثقافات والأديان، مستخدمةً منصاتها الدولية لتحدي الصور النمطية؛ ومن الأمثلة البارزة على ذلك تسلم جلالتها جائزة "ديفيد روكفيلر" للقيادة تقديراً لجهودها في تجسير الفجوة الثقافية، كما أكدت جلالتها في محافل دولية، مثل القمة الدولية لحقوق الأطفال في الفاتيكان، أنَّ التسامح والقبول هو أساس العيش المشترك وحجر الزاوية في بناء مجتمعات تحترم حقوق جميع مواطنيها بغض النظر عن خلفياتهم.
بينما ساهمت جهود جلالتها في بناء جسورِ التفاهم، مُقدّمَةً الأردن كنموذجٍ للاعتدال وقبول الآخر.
غزة: صوت الكرامة في زمن النزاع والانتهاكات:
يأتي التميز الأبرز في دور جلالة الملكة رانيا العبدالله المعظّمة من قدرتها على نقل قضايا حقوق الإنسان من قاعات المؤتمرات إلى ميدان الأزمات الإنسانية والحروب؛ حيث تستخدم جلالتها منصتها الدولية ليس فقط للدعوة، بل للمطالبة بوقف الانتهاكات وتذكير العالم بالإنسانية المشتركة.
وفي هذا السياق، يشهد العالم بأسره، لدور جلالة الملكة رانيا العبدالله المعظّمة في الدفاع الصريح والشجاع عن حقوق الشعب الفلسطيني في غزة، لا سيّما في الحياة والعلاج والكرامة الإنسانية، فهو محور اهتمامٍ عالمي، فلطالما كانت جلالتها مدافعة لا تتوانى عن تسليط الضوء على الخسائر البشرية الفادحة، وتذكير القُوى الدولية بضرورة الالتزام بالقانون الإنساني الدولي، كما عززت جلالتها هذا الدور باستخدامها الفعّال لمنصات التواصل الاجتماعي، محوّلة إياها إلى منبرٍ دوليٍ مباشر لكسر الصمت وتذكير العالم يومياً بالالتزامات الأخلاقية تجاه حقوق الإنسان في مناطق النزاع.
بينما لم يكن هذا الدفاع لجلالتها نظريّاً؛ حيث تجسّد في زياراتها الميدانية المتكررة والمنتظمة، ومنها زيارتها المؤثرة لمركز الحسين للسرطان للاطلاع على حالات الأطفال المصابين القادمين من غزة خلال فترة الحرب لتلقي العلاج.
فيما أنَّ هذه الزيارات تعكس إيماناً راسخاً بأنَّ حق الطفل في الصحة والحياة لا يمكن أن يتوقف على الجغرافيا أو ظروف النزاع.
الملكة رانيا: قيادة إنسانيّة متكاملة
أخيراً، في اليوم العالمي لحقوق الإنسان، لا يمكن النظر إلى دور جلالة الملكة رانيا العبدالله المعظّمة بمعزل عن هذه الأبعاد المتكاملة؛ فجلالتها قائدة إنسانيّة ربطت بين حق التعليم وجودته، وحق العيش الكريم، وجعلت من الدفاع عن اللاجئين وضحايا الحروب واجباً أخلاقياً وإنسانياً لا يقل أهمية عن بناء المؤسسات التعليمية.
كما أنَّ جهود جلالة الملكة رانيا العبدالله المعظّمة تُمثّل نموذجاً يحتذى به في القيادة التي لا تخشى استخدام صوتها للدفاع عن الفئات الأكثر ضعفاً، لتؤكّد أنّ حقوق الإنسان هي مشروع مستمر وشامل، ولا يكتمل إلا بوقف الظلم وإعادة الكرامة لكل إنسان.