البث المباشر
بعد ليلة من الصمود.. النشامى إلى نصف النهائي لمواجهة السعودية المنطقة العسكرية الشرقية تحبط محاولة تسلل على إحدى واجهاتها فتح باب التقديم للدورة الأولى من جائزة زياد المناصير للبحث العلمي والابتكار الصحة العامة .. من خدمة اجتماعية إلى ركيزة أمن قومي الكهرباء الأردنية تؤكد سرعة استجابتها للبلاغات خلال المنخفض الجوي الأرصاد: تراجع فعالية المنخفض واستقرار نسبي على الطقس وزارة الإدارة المحلية تتعامل مع 90 شكوى خلال الحالة الجوية توقف عمل "تلفريك" عجلون اليوم بسبب الظروف الجوية إخلاء منزل في الشونة الشمالية تعرض لانهيار جزئي أجواء باردة في أغلب المناطق حتى الاثنين المصدر الحقيقي للنقرس دراسة : الاكتئاب الحاد مرتبط بخلل المناعة كيف يمكن لوضعية النوم أن تهدد الصحة الجسدية والعصبية؟ انطلاق مرحلة قرعة الاختيار العشوائي لبطولة كأس العالم فيفا 2026 إدراج شجرة زيتون المهراس على قائمة التراث الثقافي غير المادي الارصاد : تراجع فاعلية المنخفض الجمعة... التفاصيل للايام القادمة. الأردن والإمارات: ضرورة الالتزام بوقف النار في غزة وإدخال المساعدات 4 وفيات من عائلة واحدة بتسرب غاز مدفأة في الزرقاء الأرصاد: الأمطار تتركز الليلة على المناطق الوسطى والجنوبية وزارة الأشغال تطرح عطاء لإعادة إنارة ممر عمّان التنموي بالطاقة الشمسية

الذكاء الاصطناعي وعلم الإنسان (الأنثروبولوجيا): عندما تراقب الخوارزميات تطوّرنا الثقافي والسلوكي

الذكاء الاصطناعي وعلم الإنسان الأنثروبولوجيا عندما تراقب الخوارزميات تطوّرنا الثقافي والسلوكي
الأنباط -
حسام الحوراني خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي
لطالما كان علم الإنسان أو الأنثروبولوجيا مرآة تعكس تطور المجتمعات البشرية، وتفكك رموزها الثقافية، وتبحث في عاداتها وتقاليدها، وتحاول فهمها ضمن سياقاتها التاريخية والاجتماعية والبيئية. هو علم يهتم بطرح الأسئلة الكبرى: من نحن؟ كيف نعيش؟ ولماذا نتصرف كما نتصرف؟ لكن ومع دخول الذكاء الاصطناعي على خط البحث العلمي والإنساني، بدأت الأنثروبولوجيا تدخل عصرًا جديدًا تتغير فيه أدوات الرصد والتحليل، بل وربما تتغير فيه طريقة فهمنا للإنسان نفسه.
لقد كان الباحث الأنثروبولوجي في الماضي يحمل دفتره وكاميرته، ويذهب إلى قرى نائية أو قبائل بعيدة ليجمع القصص ويراقب الطقوس ويدوّن السلوكيات. أما اليوم، فإن الذكاء الاصطناعي يمكنه مراقبة ملايين البشر في وقت واحد، وتحليل تفاعلاتهم، وتتبّع أنماطهم، في العالم الواقعي والرقمي على حد سواء. لقد أصبح بإمكاننا أن نرى المجتمعات من منظور مختلف، ليس كأفراد، بل كنظم ديناميكية تتحرك وتتغير وتتطور.
تُتيح الخوارزميات اليوم إمكانية تحليل سلوك البشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمنتديات، ومنصات المحتوى، لا بهدف تجاري فقط، بل لأغراض علمية يمكن أن تُحدث تحولًا نوعيًا في فهم الظواهر الاجتماعية والثقافية. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكتشف كيف تتطور اللغة اليومية، كيف تتغير القيم، كيف تنتقل العادات من جيل إلى آخر، كيف يُبنى الرمز وتتشكل الأسطورة الحديثة في المجتمعات المعاصرة.
على سبيل المثال، يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل ملايين الرسائل والتغريدات والمنشورات، لرصد التحولات في مفاهيم الهوية، أو المواقف من قضايا النوع الاجتماعي، أو الدين، أو السلطة. بل ويمكنه التنبؤ باتجاهات الفكر الجمعي، وكشف الفجوات بين الأجيال، أو حتى فهم كيفية بناء "القبيلة الرقمية" الحديثة، التي تجمع الناس وفق الاهتمامات لا الجغرافيا.
وفي مجال الأنثروبولوجيا البيولوجية، يساعد الذكاء الاصطناعي في تحليل الهياكل العظمية، وتحليل الحمض النووي، ورسم خرائط التطور البشري بسرعة ودقة غير مسبوقتين. كما يُستخدم في التنقيب الأثري الرقمي، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي إعادة بناء المواقع الأثرية والتنبؤ بشكلها الأصلي من خلال بيانات جزئية أو صور قديمة، ما يُثري فهمنا للحضارات القديمة بشكل بصري وتفاعلي.
لكن التحدي الأبرز يكمن في البُعد الفلسفي للأنثروبولوجيا، الذي لا يقوم فقط على التحليل الكمي، بل على القراءة العميقة للرمز، والدلالة، والمعنى. هل تستطيع الخوارزميات فهم الطقوس والرموز والدوافع الخفية للإنسان؟ هل يمكنها تأويل الحكاية، أو إدراك عمق العاطفة، أو تفسير التناقضات الإنسانية التي لا تخضع لمنطق رقمي؟
هنا يظهر الفرق الجوهري بين استخدام الذكاء الاصطناعي كـأداة مساعدة، أو تحويله إلى مُفسّر بديل للإنسان. فبينما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحلل ويصنّف ويُرتب، تبقى الحدوس الثقافية والمعرفية ملكًا للعقل البشري، المتجذر في الخبرة، والتجربة، والتعاطف.
من جهة أخرى، يطرح استخدام الذكاء الاصطناعي في الأنثروبولوجيا تحديات أخلاقية تتعلق بـالخصوصية، والمراقبة، وتحليل المجتمعات دون إذنها أو إدراكها. فالذكاء الاصطناعي قد يسقط في فخ اختزال المجتمعات إلى أنماط، أو استخدام بياناتها في سياقات لا تعكس إنسانيتها، أو فرض قراءة فوقية تُعيد إنتاج السلطة الثقافية بدلًا من تفكيكها.
رغم ذلك، تبقى الفرصة كبيرة أمام التعاون بين التقنية والإنسانيات. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مرآة إضافية لفهم الذات الإنسانية، إذا ما استُخدم ضمن رؤية أنثروبولوجية ناقدة، تُوظفه لا لتحليل السلوك فقط، بل لفهم الرمز، والطقس، والمعنى، تلك العناصر التي لا تزال تشكّل نسيج الثقافة البشرية عبر العصور.
وفي السياق العربي، يُمكن توظيف الذكاء الاصطناعي لفهم التحولات العميقة التي تمر بها مجتمعاتنا، من التغير في بنية الأسرة، إلى العلاقة بين الدين والحداثة، إلى الصراع بين الهوية المحلية والعالمية. يمكننا أن نعيد قراءة تراثنا الشعبي، وفنوننا، وعمارتنا، من خلال عيون ذكية، تُضيء الزوايا المنسية، وتُساعد في صياغة سردية ثقافية عربية رقمية أكثر شمولًا وإنصافًا.
الذكاء الاصطناعي لا يُلغي علم الإنسان، بل يوسع أدواته وحدوده. هو ليس بديلًا عن الباحث الأنثروبولوجي، بل شريك في الحفر داخل الذات الإنسانية، بعيون رقمية، وعقل إحصائي، لكنه لا يزال يحتاج إلى روح إنسانية تفسر وتُعيد بناء القصة.نحن اليوم لا نكتب فقط تاريخ الإنسان، بل نُعلّمه للآلة. فهل ستتعلم الخوارزميات كيف تفهمنا بعمق؟ أم أننا سنحتاج إلى إعادة فهم أنفسنا أولًا، لنُعلّمها كيف تكون إنسانية!
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير