ال خطاب: تراجع الموجة الحارة الجمعة وانحسارها بشكل كامل السبت.. ولا مؤشرات لموجات حارة الأسبوع القادم (كوكتيل الكورتيزول).. ترند جديد للتخلص من التوتر الاستيقاظ بين الثالثة والخامسة صباحاً.. أسباب تستدعي القلق ومراجعة الطبيب وجبة الغداء.. رفاهية مفقودة لدى أكثر من نصف العاملين دراسة تكشف محفزات طلب وجبات جاهزة عبر الإنترنت 6 طرق بسيطة تمنح مفاصلك شبابا دائما 4660 ميجا واط الحمل الكهربائي الأقصى المسجل اليوم الحاج عفيف الرواشده شقيق العميد اشرف الرواشده في ذمه الله ولي العهد لأوائل الثانوية: مبارك لذويكم تفوقكم الأمير علي لرؤساء الأندية: تطبيق تقنية الـVAR خلال الموسم الجاري "الطاقة النيابية" تزور شركة السمرا لتوليد الكهرباء بيان صادر عن لجنة التوجيه الوطني والإعلام النيابية الأمير الحسين يستقبل أوائل الثانوية في قصر بسمان صندوق المعونة الوطنية يخرّج دفعتين من مستفيدي التمكين الاقتصادي في إربد اجتماع في "الأشغال" لمتابعة تنفيذ مشروع إعادة إحياء وتأهيل سوق معان التراثي الأونروا: الحر ونقص المياه يجعلان الوضع المأساوي في غزة أكثر سوءًا العيسوي ينقل تمنيات الملك وولي العهد بالشفاء لأبو كركي والحمادنة السماح للطلبة الأردنيين الحاصلين على شهادات ثانوية عامة أجنبية التقدم للقبول الموحد بدء تصوير الموسم الجديد من "ذا فويس: أحلى صوت" في الأردن الصفدي يثمن مواقف جمهورية كوريا الجنوبية الداعمة لوقف إطلاق النار في غزة

الذكاء الاصطناعي وعلم الإنسان (الأنثروبولوجيا): عندما تراقب الخوارزميات تطوّرنا الثقافي والسلوكي

الذكاء الاصطناعي وعلم الإنسان الأنثروبولوجيا عندما تراقب الخوارزميات تطوّرنا الثقافي والسلوكي
الأنباط -
حسام الحوراني خبير الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي
لطالما كان علم الإنسان أو الأنثروبولوجيا مرآة تعكس تطور المجتمعات البشرية، وتفكك رموزها الثقافية، وتبحث في عاداتها وتقاليدها، وتحاول فهمها ضمن سياقاتها التاريخية والاجتماعية والبيئية. هو علم يهتم بطرح الأسئلة الكبرى: من نحن؟ كيف نعيش؟ ولماذا نتصرف كما نتصرف؟ لكن ومع دخول الذكاء الاصطناعي على خط البحث العلمي والإنساني، بدأت الأنثروبولوجيا تدخل عصرًا جديدًا تتغير فيه أدوات الرصد والتحليل، بل وربما تتغير فيه طريقة فهمنا للإنسان نفسه.
لقد كان الباحث الأنثروبولوجي في الماضي يحمل دفتره وكاميرته، ويذهب إلى قرى نائية أو قبائل بعيدة ليجمع القصص ويراقب الطقوس ويدوّن السلوكيات. أما اليوم، فإن الذكاء الاصطناعي يمكنه مراقبة ملايين البشر في وقت واحد، وتحليل تفاعلاتهم، وتتبّع أنماطهم، في العالم الواقعي والرقمي على حد سواء. لقد أصبح بإمكاننا أن نرى المجتمعات من منظور مختلف، ليس كأفراد، بل كنظم ديناميكية تتحرك وتتغير وتتطور.
تُتيح الخوارزميات اليوم إمكانية تحليل سلوك البشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، والمنتديات، ومنصات المحتوى، لا بهدف تجاري فقط، بل لأغراض علمية يمكن أن تُحدث تحولًا نوعيًا في فهم الظواهر الاجتماعية والثقافية. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكتشف كيف تتطور اللغة اليومية، كيف تتغير القيم، كيف تنتقل العادات من جيل إلى آخر، كيف يُبنى الرمز وتتشكل الأسطورة الحديثة في المجتمعات المعاصرة.
على سبيل المثال، يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل ملايين الرسائل والتغريدات والمنشورات، لرصد التحولات في مفاهيم الهوية، أو المواقف من قضايا النوع الاجتماعي، أو الدين، أو السلطة. بل ويمكنه التنبؤ باتجاهات الفكر الجمعي، وكشف الفجوات بين الأجيال، أو حتى فهم كيفية بناء "القبيلة الرقمية" الحديثة، التي تجمع الناس وفق الاهتمامات لا الجغرافيا.
وفي مجال الأنثروبولوجيا البيولوجية، يساعد الذكاء الاصطناعي في تحليل الهياكل العظمية، وتحليل الحمض النووي، ورسم خرائط التطور البشري بسرعة ودقة غير مسبوقتين. كما يُستخدم في التنقيب الأثري الرقمي، حيث يمكن للذكاء الاصطناعي إعادة بناء المواقع الأثرية والتنبؤ بشكلها الأصلي من خلال بيانات جزئية أو صور قديمة، ما يُثري فهمنا للحضارات القديمة بشكل بصري وتفاعلي.
لكن التحدي الأبرز يكمن في البُعد الفلسفي للأنثروبولوجيا، الذي لا يقوم فقط على التحليل الكمي، بل على القراءة العميقة للرمز، والدلالة، والمعنى. هل تستطيع الخوارزميات فهم الطقوس والرموز والدوافع الخفية للإنسان؟ هل يمكنها تأويل الحكاية، أو إدراك عمق العاطفة، أو تفسير التناقضات الإنسانية التي لا تخضع لمنطق رقمي؟
هنا يظهر الفرق الجوهري بين استخدام الذكاء الاصطناعي كـأداة مساعدة، أو تحويله إلى مُفسّر بديل للإنسان. فبينما يمكن للذكاء الاصطناعي أن يُحلل ويصنّف ويُرتب، تبقى الحدوس الثقافية والمعرفية ملكًا للعقل البشري، المتجذر في الخبرة، والتجربة، والتعاطف.
من جهة أخرى، يطرح استخدام الذكاء الاصطناعي في الأنثروبولوجيا تحديات أخلاقية تتعلق بـالخصوصية، والمراقبة، وتحليل المجتمعات دون إذنها أو إدراكها. فالذكاء الاصطناعي قد يسقط في فخ اختزال المجتمعات إلى أنماط، أو استخدام بياناتها في سياقات لا تعكس إنسانيتها، أو فرض قراءة فوقية تُعيد إنتاج السلطة الثقافية بدلًا من تفكيكها.
رغم ذلك، تبقى الفرصة كبيرة أمام التعاون بين التقنية والإنسانيات. يمكن للذكاء الاصطناعي أن يكون مرآة إضافية لفهم الذات الإنسانية، إذا ما استُخدم ضمن رؤية أنثروبولوجية ناقدة، تُوظفه لا لتحليل السلوك فقط، بل لفهم الرمز، والطقس، والمعنى، تلك العناصر التي لا تزال تشكّل نسيج الثقافة البشرية عبر العصور.
وفي السياق العربي، يُمكن توظيف الذكاء الاصطناعي لفهم التحولات العميقة التي تمر بها مجتمعاتنا، من التغير في بنية الأسرة، إلى العلاقة بين الدين والحداثة، إلى الصراع بين الهوية المحلية والعالمية. يمكننا أن نعيد قراءة تراثنا الشعبي، وفنوننا، وعمارتنا، من خلال عيون ذكية، تُضيء الزوايا المنسية، وتُساعد في صياغة سردية ثقافية عربية رقمية أكثر شمولًا وإنصافًا.
الذكاء الاصطناعي لا يُلغي علم الإنسان، بل يوسع أدواته وحدوده. هو ليس بديلًا عن الباحث الأنثروبولوجي، بل شريك في الحفر داخل الذات الإنسانية، بعيون رقمية، وعقل إحصائي، لكنه لا يزال يحتاج إلى روح إنسانية تفسر وتُعيد بناء القصة.نحن اليوم لا نكتب فقط تاريخ الإنسان، بل نُعلّمه للآلة. فهل ستتعلم الخوارزميات كيف تفهمنا بعمق؟ أم أننا سنحتاج إلى إعادة فهم أنفسنا أولًا، لنُعلّمها كيف تكون إنسانية!
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير