شوشان: الغابات الشمالية والنظم المائية في وادي الأردن تواجه خطر الانهيار البيئي ما لم نتحرك فورًا
الأنباط - ميناس بني ياسين
مع الواقع الذي أمسى واضحًا حول تبعات التغير المناخي في المملكة، أصبح لزامًا علينا دعم البحوث المتخصصة التي تدرس العلاقة بين ارتفاع تركيزات ثاني أكسيد الكربون وإنتاج الكتلة الحيوية وانتشار الأنواع الغازية، إضافة إلى ضرورة تعزيز التعاون مع الجامعات والمنظمات غير الحكومية من أجل إطلاق مشاريع بحثية متعددة التخصصات.
ومع وضوح أن التأثيرات المناخية باتت تمثل تهديدًا حقيقيًا للنظم البيئية في الأردن، خصوصًا مع تزايد درجات الحرارة، وتقلب أنماط الهطول المطري، وامتداد مواسم الجفاف، لا بد من تعزيز جانب البحث العلمي للوصول للسبل الأمثل لمواجهة هذه التغيرات.
وفي ظل التحديات المناخية وتأثيراتها المتوقعة على النظم الإيكولوجية في الأردن، التقت الأنباط الخبير البيئي عمر شوشان، للحديث عن أبرز الأنظمة البيئية المهددة، والبرامج والإجراءات التدبيرية المطلوبة لحماية التنوع البيولوجي محليًا وعالميًا.
شوشان تحدث باستفاضة عن الجهود المطلوبة، والبرامج الأربعة الأساسية للتكيف، مستعرضًا خريطة شاملة للتحرك المناخي الوطني المبني على حلول الطبيعة لمحاولة مجاراة التغيرات المناخية المهددة لنا ولـ الإسراع بالمضي في الحلول.
ما هي أبرز الأنظمة الإيكولوجية التي تميز الأردن؟
يؤكد شوشان "أن الأردن يتميز بتنوع فريد في أنظمته الإيكولوجية رغم مساحته الجغرافية الصغيرة، حيث يحتضن ثلاث بيئات طبيعية رئيسية، لكل منها خصائصها ومكوناتها البيئية الفريدة.
وتحدث عن وادي الأردن الذي يمثل شريطًا ضيقًا يمتد تحت مستوى سطح البحر، ويشكل بيئة استثنائية بمناخه الدافئ شتاءً والحار صيفًا، ويعد مصدرًا حيويًا للري ورافدًا رئيسيًا للأمن الغذائي في البلاد، أما المرتفعات الغربية فهي امتداد طبيعي للمناخ المتوسطي، وتتميز بهطول أمطار نسبيًا مرتفع، ما يجعلها موئلًا مهمًا للتنوع البيولوجي، لاسيما في شمال الأردن.
وفي المقابل تمتد الأراضي الجافة وشبه الجافة شرق البلاد، وتشكل ما يزيد عن 80% من المساحة الكلية، وتعرف باسم "البادية"، وهي موطن للرعاة البدو وتضم مساحات رعوية مفتوحة ذات حساسية عالية للتغيرات المناخية نظرًا لقلة معدلات الهطول التي لا تتجاوز 50 ملم سنويًا."
كيف يؤثر تغير المناخ على النظم البيئية والتنوع الحيوي في الأردن؟
يوضح شوشان أن "التأثيرات المناخية باتت تمثل تهديدًا حقيقيًا للنظم البيئية في الأردن، خصوصًا مع تزايد درجات الحرارة، وتقلب أنماط الهطول المطري، وامتداد مواسم الجفاف، وارتفاع معدلات التبخر وقد تم بناء التقييم الوطني للتأثر المناخي استنادًا إلى دراسة معمقة شملت 13 نوعًا من النظم البيئية الطبيعية في البلاد، منها غابات الصنوبر والبلوط بأنواعها، وغابات العرعر، والسهوب، ومناطق البحر الأبيض المتوسط غير الغابوية، والحماد، والمسطحات المالحة، والمناطق الاستوائية، والكثبان الرملية، ومناطق الطلح ذات التأثير السوداني، إضافة إلى القيعان الطينية والمجاري المائية.
وقد أظهرت النتائج أن أكثر النظم تعرضًا للخطر هي الغابات، خاصة في الشمال، إضافة إلى النظم المائية العذبة، وخصوصًا في وادي الأردن، وهو ما يفرض علينا التحرك الفوري لاعتماد تدخلات تكيفية فعالة ومستندة إلى الطبيعة.
ما الإجراءات المطلوبة لحماية التنوع البيولوجي في ظل هذه التهديدات؟
"الأردن مطالب اليوم باتخاذ خطوات تدبيرية جادة وطموحة لرفع قدرة أنظمته البيئية على الصمود أمام التغير المناخي، من خلال برامج وطنية استراتيجية، البرنامج الأول يركز على توسيع نطاق التكيف القائم على الأنظمة الإيكولوجية، خاصة في المناطق المحمية والمواقع ذات الأهمية البيئية، عبر تبني حلول قائمة على الطبيعة كمدخل أساسي للتكيف المناخي.
ويستوجب هذا البرنامج مراجعة شاملة للشبكة الوطنية للمناطق المحمية بهدف تحديد المناطق الأكثر عرضة للخطر، وإنشاء مناطق آمنة جديدة تعزز من قدرة هذه الأنظمة على الصمود، كما أنه لا بد من تحديد الأنواع النباتية والحيوانية الحساسة لتغير المناخ، ورسم خرائط لتوزعها الجغرافي، مع تطوير نظام مراقبة وطني يواكب مدى تأثرها بالمناخ ويدعم جهود حمايتها من الأنواع الدخيلة.
وفي ذات الإطار تتطلب المرحلة القادمة تطوير برامج إدارة تكيف مخصصة للموائل البيئية، تركز على حماية مصادر المياه، والمحافظة على الجريان السطحي واستدامة المخزون الجوفي، إلى جانب تطبيق مناهج بيئية لاستعادة الموائل المتدهورة، بالشراكة مع المجتمعات المحلية لضمان استدامة الجهود".
إلى أي مدى يلعب المجتمع المحلي دورًا في تعزيز صمود الأنظمة البيئية؟
"المجتمع المحلي يشكل حجر الأساس في أي مسعى لحماية التنوع البيولوجي، ولهذا جاء البرنامج الثاني ليعزز من استخدام البنية التحتية الخضراء ويضمن مشاركة مجتمعية حقيقية في جهود استعادة الأنظمة البيئية.
سيتم تنفيذ مشاريع بيئية لإعادة تأهيل الغابات والموائل المتدهورة بالتعاون مع المجتمعات والمنظمات الأهلية، وسيُفعّل دور القطاع الخاص من خلال برامج المسؤولية الاجتماعية في دعم التدخلات البيئية، كما أننا نحتاج إلى توثيق المعارف البيئية المحلية، والاستفادة من الحكمة التقليدية التي تشكل إرثًا غنيًا لفهم التغيرات البيئية وابتكار حلول منسجمة مع الواقع المحلي".
كيف يمكن تعزيز مرونة الأنظمة البيئية في مواجهة التأثيرات المناخية الشديدة؟
"البرنامج الثالث يعالج هذا التحدي من خلال تشجيع الاستخدام المستدام لخدمات النظم البيئية، لا سيما في المناطق الأكثر هشاشة، قائلًا "علينا أن نتجه نحو وضع خطة وطنية لمواجهة حرائق الغابات، تشمل الوقاية والتدريب وتخصيص الموارد وبناء وعي مجتمعي حقيقي، ومن الضروري كذلك حماية الأراضي الرطبة والمساقط المائية التي تمثل شرايين الحياة في ظل شح الموارد المائية، مع وضع تدابير حماية تضمن تقليل الأثر المباشر للظواهر المناخية القاسية على تلك الأنظمة".
وفي هذا الإطار يجب ربط برامج التحريج بخطط إعادة التشجير المستدامة، والتي تعتمد على البيئة المحلية وتراعي احتياجات السكان.
ما الأولويات فيما يخص حماية الأنواع والموائل المهددة بالانقراض؟
"ويتناول البرنامج الرابع هذا الملف من زاوية علمية وبيئية متقدمة، حيث يسعى إلى تحديد وتحديث قائمة الأنظمة البيئية الأكثر حساسية لتغير المناخ لا بد من إنشاء إطار بحثي متكامل يركز على الأنواع المؤشرة من النباتات والحيوانات لفهم انعكاسات المناخ عليها وتحديد التدخلات الملائمة لحمايتها".
"ويشمل ذلك تطوير خطط متكاملة لاستعادة الأنواع والموائل المهددة، من خلال برامج التوطين والإكثار في الأسر، والعمل خارج المناطق المحمية، وإنشاء برامج وطنية متخصصة لإعادة التوازن الإيكولوجي، كما أن تعزيز الأطر القانونية والمؤسسية ضروري لدمج تدابير الصون ضمن عملية التخطيط واتخاذ القرار، خاصة في عمليات تقييم الأثر البيئي للمشاريع التنموية".
كيف يمكن دعم الجهد البحثي في هذا المجال؟
إن البحث العلمي هو القاعدة التي يبنى عليها كل جهد بيئي فعال، ولهذا جاء البرنامج البحثي كمكون أساسي في الاستراتيجية الوطنية، وعلينا الاستثمار في دراسات ميدانية معمقة تتابع تأثيرات تغير المناخ على الأنظمة البيئية سواء البرية أو البحرية، وتحليل تأثير تلك التغيرات على التنوع البيولوجي، مع تعزيز قدرات المراكز البحثية لتبني تقنيات رصد متقدمة كأنظمة المعلومات الجغرافية.
ومن الضروري كذلك دعم البحوث المتخصصة التي تدرس العلاقة بين ارتفاع تركيزات ثاني أكسيد الكربون وبين إنتاج الكتلة الحيوية وانتشار الأنواع الغازية، وهذا إلى جانب ضرورة تعزيز التعاون مع الجامعات والمنظمات غير الحكومية من أجل إطلاق مشاريع بحثية متعددة التخصصات، تسهم في دعم القرارات البيئية ورسم السياسات المناسبة، كما أن توفير الموارد المالية والفنية يعتبر شرطًا أساسيًا لضمان تنفيذ الاستراتيجيات الوطنية لحماية التنوع البيولوجي ومراقبة فعالية تلك التدخلات على أرض الواقع.