الأنباط - البعض يظن أنه في معزل من العالم لا يؤثر فيه ولا يتأثر ونسي أن رسول الله صل الله عليه وسلم قال لعمر عندما أراد قتل المنافقين ، هل تريد أن يحدث الناس أن محمدا يقتل أصحابه، فأي فقه هذا وأي عمق هذا ، هذا منافق وبحكم رباني ليس بحكم بشر ومعروف للرسول ولأمين سرّ النبوة حذيفة ولكن لا إجراء هنا ، لماذا لأن هذا الدين عالمي المقصد واسع الفكرة شامل لغيره ويسع غيره من الأديان والمناهج ولا يسعه غيره ...
بين ترتيب الضرورات والاركان والفرائض والسنن يقف عالم ليحدد بأن حفظ تلك أولى من المحافظة حتى على الفرائض وأن هذه تسقط في مقابل تلك ، ولكن من يتقن الأمر إلا من فهم الدين كله وأدرك مقاصده وأهدافه وعرف حدوده فوقف عندها ...
قال عبدالله المدفر مرة...
(«المفتاح» الجيد قارئ جيد يستطيع معرفة زوايا ومحركات وبواعث ومخاوف من أمامه ، ومشكلتنا دائماً أننا نفكر بأنفسنا وبمشاريعنا ولا نحاول قراءة الآخرين ونقاط تميزهم وعيوبهم ، فنفشل في فتح شفرات النجاح معهم ....
نبينا محمد صلى الله عليه وسلم كان قارئاً رائعاً لأصحابه وخصومه وكانت هذه القراءة تؤثر في تعاطيه مع الأحداث المتشابهة ، وتأمل في تحليله عليه الصلاة والسلام عندما يقول :
( أرحم أمتي بأمتي أبوبكر ، وأشدهم في أمر الله عمر ، وأشدهم حياء عثمان ، وأقضاهم علي ، وأعلمهم بالحلال والحرام معاذ بن جبل ، وأفرضهم زيد بن ثابت ، وأقرؤهم أبي بن كعب ، ولكل قوم أمين وأمين هذه الأمة أبوعبيدة بن الجراح ) ، فتوظيف أصحابه كان خلفه قراءة عميقة للإمكانيات والجوانب النفسية ، وقد كان يسأل صلى الله عليه وسلم عن سؤال واحد فتختلف الإجابة باختلاف حال السائل ، وتأمل مثلاً بالأسئلة المتعددة عن أفضل الأعمال والتي كانت تختلف باختلاف السائل ، فكان يقول للرجل الكبير لا يزال لسانك رطباً بذكر الله ويجيب آخر بالجهاد في سبيل الله ، ولما علم صلى الله عليه وسلم أن أبا سفيان يحب الفخر والشهرة قال نبينا في فتح مكة : ( من دخل دار أبي سفيان فهو آمن )....
كثير من الآباء والأمهات والمديرين يكررون كلمة : ( عجزت عنه ) تعبيرا عن الفشل في تغيير سلوك ابن أو بنت أو موظف ، والحقيقة هي أنك تكرر محاولة فتح الباب بالمفتاح الخطأ ، جرب مفاتيح أخرى حتى تجد المفتاح الصحيح .
تأمل في مفاتيح حياتك.) انتهى كلامه ...
هل نحن السبب في التشدد الذي تعيشه الأمة والتطاول على رموزها وحدودها وحتى دينها ، هل كما قال د أحمد العمري هذا الصمت عن هذه التجاوزات والسكوت عن التعامل الخاطىء بين ما هو مسموح وما هو محل خلاف وبين ما يمكن تجاوزه وبين ما لا يمكن وما لا يستقيم الأمر إلا به هو المشكلة ، وهنا تحديدا نحتاج إلى العالم الفقيه الرباني الذي يدرك بأن عدم أداء الزكاة هو هدم للدين ، وبين من يدرك بأن صلح الحديبية هو في إقامة الدين ، وبين من يقف ملهما كعمر وهو يدرك بأن القرآن لم يوافقه في أكثر من موقف إلا لأنه تشرب الدين حياة وفكرا وعقيدة ومنهجا...
أرى أننا ما فهمنا ديننا ولا عرفناه حق المعرفة وأننا بحاجة إلى إعادة تعلمه من الأصول إلى الفروع حتى نعرف ما لنا وما علينا ، وبين أنناحقا نعيش صورة الدين لا حقيقته ولذلك نعيش في حالة الهزيمة ، ولن نكون قدوة لغيرنا ولا أهلا حتى لنحمله كما أراده الله ، وستبقى هذه الجوهرة رهينة محبوسة تبحث عمن يخرجها للناس ..
إبراهيم إبو حويله...