الأنباط -
فركت عيني مرارا وأنا أقرأ خبر إحالة قناة المملكة الى النائب العام بسبب الخبر الذي نشرته عن إعلان حالة الطوارئ في الأردن ليلة الرد الإيراني الجوي على انتهاكات إسرائيل.
تساءلت عن الاسباب التي تدفع مدير هيئة الإعلام إلى إحالة قناة الإعلام العام (المملكة) التي أنفق عليها منذ نشأتها حتى الآن ما يقرب من المائة مليون دينار من ميزانيات وزارة المالية أو أموال دافعي الضرائب الأردنيين، والتي اعتبرت منذ تأسيسها المنافس الأخطر للتلفزيون الأردني ووكالة الأنباء الأردنية من حيث اعتماد صحة الخبر الحكومي ومن حيث الأسبقيات الصحافية التي انفردت بها منذ الوهلة الأولى وانفرادها في أحيان كثيرة بظهور كل المسؤولين الرسميين على شاشتها وفي كل الموضوعات الخطيرة والأقل خطورة!
وعلى الرغم من أن القائمين على الإعلام الرسمي يؤكدون استقلال القناة في سياستها التحريرية، إلا ان الواقع هو أن قناة المملكة باتت الناطق شبه المتوج باسم الحكومة والمعبر عن توجهاتها وتوجهات مؤسسات الدولة الرسمية بشكل عام، حتى أن المادة التي تبثها كانت توصف من قبل بعض الزملاء المهنيين بالانحياز الى وجهة النظر الرسمية، بل إن البعض يعتبرها تكريسا لأحادية الإعلام، لا سيما بعد إخراج العديد من القنوات التلفزيونية المستقلة خارج سوق المنافسة لأسباب قانونية أحيانا واقتصادية أحيانا أخرى.
وبناء على ما تقدم، فإن الأخبار التي تبثها قناة المملكة تكتسب صفة الأخبار الموثوقة فيما يخص الرواية الرسمية لمؤسسات الدولة، وهو ما يدفعنا للتفكير حقيقة فيما حدث في ذلك المساء، فهل تسرع طاقم التحرير بنشر خبر ورد إليهم من مصدر ما في مؤسسات الدولة دون ان يستوثقوا منه، أم أن من كتب الخبر أساء فهم الإجراء الأمني المتخذ ولم يميز بين إغلاق الإقليم الجوي للأردن وإعلان حالة الطوارئ، أم أن الخبر كان صحيحا في بدايته، ثم تراجعت جهة ما عنه حين اكتشفت آثاره السلبية حين تم تداوله في وسائط التواصل الاجتماعي؟
أيا يكن ما حدث ذلك المساء، فإن البعض يعتبر أن غلطة الشاطر بألف، ولكن، حتى لو كان طاقم التحرير في قناة المملكة هو من يتحمل مسؤولية ذلك الخطأ جراء قصور مهني ما او تسرع او سوء فهم او عدم استيثاق من المصادر، فإن تقديم شكوى على قناة المملكة الى النائب العام خطأ كبير لعشرات الأسباب على رأسها ان الجمهور الأردني وغير الأردني الذي كان يعتبرها مصدرا موثوقا للخبر الرسمي، لن يثق بعد الآن بالأخبار التي تنشرها، طالما أنها ارتكبت خطأ كبيرا بهذا الحجم، وهذا يقوض المصداقية التي سعت الى اكتسابها طيلة عقد من الزمان ويذهب بالأموال التي أنفقت عليها أدراج الرياح!
أما من حيث الحرية الصحافية، فإن إحالة وسيلة إعلام الى النائب العام لمجرد انها ارتكبت خطأ مهنيا مقصودا أو غير مقصود هو مسألة تفتقر الى بعد النظر وتسيء الى سمعة الأردن في باب الحريات الصحافية والإعلامية، لا سيما وأن مكانتنا مهزوزة بالفعل منذ سنوات جراء تعديلات تشريعية وسياسات حكومية وممارسات إجرائية أدت الى ان يكون الأردن في ذيل أمم العالم على مؤشر الحريات الصحافية.
أنا لا أعلم إن كانت قناة المملكة قد نشرت اعتذارا عن الخبر الذي بثته ام لا، وهل قامت بتصحيحه فورا بمجرد نفيه من الحكومة أم لا، وهو الإجراء المهني الذي لا بد من اتباعه في هذه الحالة، ولكن في جميع الأحوال فإن الضرر من إحالة قناة المملكة الى النائب العام أكبر بكثير من أي نفع تصوره البعض حين اتخذ مثل هذا القرار، إلا إذا كان الهدف من هذه الإحالة هو إنذار الآخرين على طريقة " اضرب المربوط بيخاف السايب" او لتبرير احالات أخرى قد تتبعها لوسائل إعلام أخرى!
وأخيرا، فأنا لا أدافع عن قناة المملكة، لأنني أعتبرها إعلاما موجها يفتقر الى الحياد المهني والموضوعيةٍ، لاسيما عند مناقشة القضايا المحلية، ولطالما تجاهلت أحداثا هامة كالمسيرات والحراكات الشعبية لأنها ترفض ان تنقلها الى الرأي العام أملا في إماتتها، وهي مستمرة في تجاهل الكثير من الشخصيات الوطنية السياسية والحزبية التي تملك وجهة نظر معارضة أو مستقلة لأنها لا تجدف مع التيار، والكثير مما تبثه يمكن تصنيفه في خانة البروباغندا، وما أحداث الكورونا عنا ببعيد!
وبالرغم من ذلك، فإنني كأمين عام لحزب سياسي ونائب سابق في البرلمان ورئيسة للجنة الحريات العامة وحقوق الإنسان، وكإعلامية أولا وأخيرا، أجد نفسي في خانة الدفاع عن حق المملكة في العمل والاجتهاد وحتى الخطأ وأن لا يحال طاقمها الى المحكمة او النائب العام عند أول خطأ أو حتى عاشر خطأ، لأن الصحافة دون حرية تختنق والأردن دون صحافة حرة لن يكون أبدا دولة ديمقراطية، ولا داعي لأن نتعب أنفسنا ونركض وراء إصلاح سياسي او تحديث سياسي، في حين ان الحريات الأساسية مهددة دائما بسيف النائب العام.