الأنباط - يعجبني القلق في الشخص ...
ذلك الذي ينظر في الماء الراكد فيلقي فيه حجرا يخلق دوائر متلاحقة ...
ذلك الذي لا يعشق الركود ولا السكون ...
تلك الحركة التي تخلق أمواجا تمتد وتمتد حتى تنطلق من لاشيء ولا زمان إلى الزمكان ، كما يحب عشاق الفيزياء تسميته ...
هذه الحركة جعلت من جمال الدين يتجاوز المكان والزمان فعليا .
لا أدري حقا من هو وراء هذا الرجل وكيف أستطاع أن يحرك فيه هذه الطاقة الكامنة فيصنع حركة مست محمد عبده ورشيد رضا وشكيب أرسلان وحتى بعض الليبراليون والمسيحيين ...
ولن أقول شيئا جديدا اذا قلت بأن حسن البنا نفسه هو من نتاج هذه الحركة ، فأكبر حركة إسلامية في العالم اليوم هي متأثرة بشكل كبير ومباشر بهذا الرجل ...
الرجل ظهر فجأة ، كيف ظهر ، ومن كان له يد في صناعة هذا الرجل الظاهرة ...
وكيف انطلق من تلك الناحية من إيران وجاب العالم الإسلامي بل وأوروبا وكان له مستقر في مصر وباريس وسان بطرسبورغ وتوفى في إسطنبول ...
كان له حضور في كل مكان كان يوجد فيه وكان يستطيع أن يكون مؤثرا لا متأثرا ويصنع التغيير ...
فكان الأمراء والحكام والسلاطين يسعون له في بادىء الأمر ، وعندما يظهر لهم طبيعة فكره وما يسعى له ينقبلون عليه ...
فهو لا يعشق الهدوء ولايسعى إلى الراحة ، ويريد أن يحرك شيئا في هذا الكون يكون له أثر دائم ومستمر ...
فهو يدرس المقدمة لإبن خلدون ، ويطرح فكرا شموليا ، ويسعى لإستقاء المعرفة من مصادرها الأصلية ...
هو أخطأ وأصاب ...
هو أجتهد وترك أثرا وإرثا كبيرا ، ولذلك كثر حوله المادحون والمريدون وكثر أيضا الأعداء والكارهون .
حقا تقف حائرا مع هذه الشخصية التي خرجت على ما تدعي هي من أفغانستان أو من أراضي أيران إلى أفغانستان كما يقول المؤرخون...
وهل هو شيعي أخفى تشيعه ليتقبله العالم السني ، وهل حقا صحة نسبه فهو يدعي أنه شريف ...
ولكن ما أظهرته الحقيقة أنه لم يكن في يوم أفغانيا ولا شريفا بل هو من أصول أيرانية فارسية ...
من تولى هذا الرجل في صغره ، زرع فيه فكرا يتجاوز الطائفة والجماعة والدولة والوطن ، ويسعى نحو هدف أكبر من ذلك بكثير ...
نحو إحياء امة كاملة ...
ولذلك كان الرجل ظاهرة تستقطب العقول والمفكرين والساعيين لشيء في هذه الحياة ...
نعم كان له مجلسان واحد خاص يخص به تلك الفئة بالعلم والمعرفة المركزة ، ومجلس عام يتناول فيه القضايا العامة ...
وهذا يعطي مؤشرا واضحا عن طريقة تربيته وصياغة فكره ، كان هناك مجالس خاصة على ما يبدو إستطاعت صناعة هذه الظاهرة ...
كان يدرك تماما أن الشيعة مرهونين بشيخوهم لا يستطيعون تجاوزهم ولذلك كان يخاطب شيخوهم ، ويدرك تمام أن السنة ليسوا منقادين لشيوخهم ، فسعى للبحث عن أهل التأثير فيهم ومخاطبتهم ...
ولذلك انضم إلى المحفل الماسوني في بداية انتشاره، والذي في تلك الفترة لم يكن واضح المعالم ولأ الأهداف ولا الفكرة ...
سعيا منه للتأثير والوصول إلى مكان القرار والذي تركه بعد ذلك ، ولبى دعوة السلطان عبد الحميد وغيره من الحكام والأمراء سعيا لإيجاد مكان ينطلق منه بهذا الفكر الذي يحمله .
مهما اختلفنا أو اتفقنا حوله يبقى جمال الدين الأفغاني ظاهرة ...
ظاهرة لها أثر واضح وباق في العالم الإسلامي اليوم ومن أثاره هذه الجماعات التي تراها ، وإستطاع أن يغير واقعا ويصنع تأثيرا واضحا في المستقبل ...
فأين نحن ...
إبراهيم أبو حويله ...