الأنباط -
من ايقن نصر الله أو رأى الخاتمة وحسن تدبير الله فيها ، فكأنما غشيه النعاس امنة وطمأنينة، فهذه الأمة عصية على الاندثار، لا تعرف الزوال ، فمنذ تلك اللحظة التي انطلقت فيها هذه الأمة، وهي في رعاية من الله .
الرسول صلى الله عليه وسلم في الشعب محاصر من قريش، الطعام قليل ، والكل قد اخذ الجهد منه مأخذه ، وابو طالب حامي الرسول انهكته السنون والمجاعة. ونال من قوته طول العمر .
وعمه أبو لهب لا يكتفي بأنه تخلى عن عشيرته لا بل يزاود على من يبيعون الطعام لهم ربما إرضاء لزوجته أم لهب (وكم من النساء هي أم لهب حمالة للحطب تغذي الفتنة ضد المسلمين. وكم من الرجال أبو لهب ) او لعقدة نقص فيه ليثبت لحلفائه خزاعة أنه على عهد قريش
وفي هذه الفترة تتنزل سورة النمل تتحدث عن تسعة رهط يفسدون في المدينة ولا يصلحون ، ويُبيتون القضاء على الصالح ، حتى تبقى الأرض للشر وأهله، لكنهم مكروا مكرا ومكر الله مكرا وهم لا يشعرون ، فتلك بيوتهم خاوية بظلمهم ونجى الله المتقين .
وتتنزل (أخرجوا آل لوط من قريتكم أنهم أناس يتطهرون)، فأنجاه الله وأهله إلا تلك المرأة الخبيثة التي توالي اعداء الله ، والتي تراها اليوم في كثير من الوجوه فترى حاقد بغيض .
وتتنزل (أمّن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء ويجعلكم خلفاء الأرض ) ، وكأن الله يريد للبوصلة أن تتحرك، ويريد للحق أن يعلو ، ويريد للباطل أن ينكشف .
وتتنزل ( إن فرعون علا في الأرض وجعل أهلها شيعا ...ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض و نجعلهم أئمّة ) وكم كانت القوة سببا في هلاك الطاغية وهو لا يدري ، وكم كان الضعف هو طريق النجاة والوصول .
الطغيان يتمادى ويكبر وينتفش فيكون سببا في هلاكه، والضعيف يسعى للحق ويريد العدل ولكنه لا يملك الأسباب. وما درى أن الحق قوي بذاته وأن الله يرعاه .
وتكون اللفتة كلها في الفتى هذا الفتى موسى ، الذي يسعى له فرعون بكل قوة ويقتل كل من حوله ويتركه ، هل في ذلك حكمة لأولي النهى، فقد رباه فرعون في قصره ، وحاطه بحمايته واطعمه وعلمه، لتكون نهايته على يديه ، فأنت تريد نصرا سريعا بدون تضحيات ولا ألم، تريد أن تستيقظ من نومك فإذا بالحلم قد تحقق ، ولكن سنن الله لا تعمل هكذا ، هذا الفتى يسير وفق خطة حتى يصل الطاغية إلى هلاكه .
فالله يعد الأمر ولكن يجب أن يكون من في الشعب على قدر القدر وإلا تأخر النصر لحين أن يجهزوا .
إبراهيم أبو حويله...