الأنباط -
في عصرنا الحديث يتم نسب هذه المقولة الى ونستون تشرشل.. حين تم سؤاله عن مفاجأة تحالفه مع ستالين في الحرب حيث قال.. أتحالف مع الشيطان ضد هتلر.. وهي جملة مجازية معبرة عن ان الغاية تبرر الوسيلة.. وان بعض الدول او التنظيمات مستعدة لوضع يدها بيد من يخالفها عقيدة او سياسة للظفر بعدوهما المشترك..
وفي التاريخ يروى ان حفيد سيدنا آدم.. النمرود.. هو اول من تحالف مع الشيطان ظانا انه سيصبح من جنوده المخلصين.. والنتيجة ان الشيطان اغواه ليعلن انه إله.. ووصل به الكفر الى بنا برج ليصل الى رب العزة لمقاتلته..
في منطق التحالفات.. عدو عدوي صديقي.. وهذا المبدأ هو احد الطرق لبناء التحالفات.. والاتفاق على الظفر بذلك العدو المشترك.. وبالاصل يكون هناك معالم واضحة للاتفاق من حيث الدور المنوط بكل طرف.. والاهم هو معرفة المكاسب لكل طرف بعد الانتهاء من تحقيق الهدف..
في العادة من يقوم بهذا الامر يكون على علم بقوته وما سيقدم لانجاح التحالف.. وانه قادر على اخذ ما تم الاتفاق عليه..
والمصيبة الكبرى.. إن كان هناك طرف قوي لت يراعي مصلحة الاخرين.. وطرف أضعف.. طرف له اهدافه غير المعلنة.. ويستطيع في اي لحظة الانقلاب على شركائه لنيل المكاسب الكبرى.. وطرف ينظر فقط للوضع الذي هو عليه.. وما يعانيه..
في تاريخنا القصص الكثيرة التي تم نشرها عن تحالفات لدحر قوى متحكمة وباغية.. وتاثت في الارض الفساد.. والنتيجة كانت انقلاب الشيطان المجازي على اصحاب الحق وفرض رايه وشروطه.. واخذ الجمل بما حمل..
لن اكون متشائما لدرجة ان اعلن ان الوعي العربي والاسلامي مازال قابعا في سذاجة التفكير السطحي والبسيط من حيث ابرام معاهدات والاتفاقات مع قوى لها مطامعها المعلنة فكريا وسياسيا.. وغير المعلنة من في فرض نفوذها على المنطقة العربية.. ولكنني ساكون من أولئك الذين يطلقون صافارات الانذار المبكر.. من باب الانتباه والتيقظ.. وعدم الركون الى دموع التماسيح التي تذرف على ما نعانيه..
لا يخفى على الجميع البطش والتنكيل والتهجير الذي يقوم به عدو الامة الغاشم تجاه اهلنا في فلسطين.. وان مخططات ذلك العدو لا تقف عند حد فلسطين من البحر الى النهر.. وانما التوسع الى كل شبر تستطيع آلته العسكرية والسياسية والاعلامية والاقتصادية الوصول اليه لفرض سطوته ونفوذه.. وهذا يعطي مبررا لكل عربي ومسلم بان يأخذ بالاسباب لدحره ووقف تمدده.. حتى ولو طبقوا المبدأ المجازي بالتحالف مع الشيطان..
من هنا اقول محذرا ولست متخاذلا ولا انبطاحي.. بان التحالف المجازي مع الشيطان يجب ان يكون محسوبا بشكل لا يجعل الشيطان ينقلب علينا.. وبدل ان نهرب من الدلف.. نقع تحت المزراب كما يقال..
فالقوى المتناحرة للسيطرة على الشرق الاوسط تعتمد في سبيل ذلك حسابات المصالح الشخصية والقومية لها.. ولن تدخر جهدا في الوصول الى مبتغاها.. ولكن علينا التقين بان جميعها تنظر الينا كأداة ووسيلة توصلها الى اهدافها.. ولن تدعنا ننعم بما نريد الا اذا رضخنا لقوانينها وشروطها.. واصبحنا تبعا لها..
ولا بد لي في هذا السياق ان اذكر ما نبه منه جلالة الملك عبدالله الثاني بن الحسين منذ زمن طويل.. الا وهو النفوذ الايراني في المنطقة.. وهي جزء رئيس في منظومة التحالفات للنظام العالمي الجديد.. والذي بدأ بالظهور بشكل علني.. فهي تعمل بكل اتجاه للسيطرة على المنطقة بمنظورها الشيعي العقدي.. وظهر ذلك جليا فيما قامت وتقوم به في العراق وسوريا ولبنان واليمن.. ونشرها لعشرات الالاف من الحرس الثوري في كل منطقة تستطيع الولوج فيها.. وهم جاهزون للتدخل لنصرة من يطلبهم تحت غطاء ومسميات ثورية عدة.. يستطيعون من خلالها كسب ما يوصلهم الى اهدافهم غير المعلنة..
في الختام اقول.. بان من يريد التحرر وفرض نفوذه على ارضه.. عليه ان يكون صاحب الكلمة العليا في قراره.. وان اراد التحالف المجازي مع الشيطان.. عليه ان يكون متاكدا من انه قادر ويستطيع التخلص والتملص من ذلك التحالف حين يتم تحقيق الهدف الذي قام التحالف لاجله.. وان لا يصبح هو جندي من جنود ذلك الشيطان.. بعد ان كان يظن -كما النمرود- ان الشيطان سيترك له الامر.. ويكون رهن اشارته.. ولن ينقلب عليه بعد ان اوهمه بانه يناصره ويدعمه فقط لنيل ما يريد دون اي طمع فيما تم كسبه..
محمود الدباس - ابو الليث..