من بين الأخطار التي يمكن أن تصيب الدول بدون مقدمات، تعد الكوارث الطبيعية من أكثرها مأساوية وأشدها تهديداً للحياة والاقتصاد.
فالمخاطر الطبيعية مثل الزلازل والنشاطات البركانية والانهيارات الأرضية والفيضانات والأعاصير، غالباً ما تكون مفاجئة وتتسبب في أضرار جسيمة ودمار ومعاناة بشرية علاوة على الدمار الاقتصادي للمقدّرات والممتلكات.
في هذا التقرير نستعرض تأثير الزلازل والكوارث الطبيعية على الدولة، وذلك من منظور اجتماعي واقتصادي وبيئي.
تأثير الزلازل الاجتماعي بين تشريد وفقدان للموارد
من بين جميع التأثيرات المترتبة على الزلازل والكوارث الطبيعية على الدول، ربما يكون التأثير الاجتماعي لها هو الأكثر خطورة.
إذ إن الأحداث الزلزالية القوية تميل إلى التسبب في العديد من الإصابات والخسائر في الأرواح. وفقاً لمركز الأبحاث حول وبائيات الكوارث(CRED)، بلغ عدد الأشخاص المتضررين من الزلازل بين عامَي 1998 و2017 فقط أكثر من 125 مليون شخص، بينما كان عدد الوفيات قرابة 750 ألف شخص، وهو أكثر بكثير مقارنة بأنواع الكوارث الطبيعية الأخرى.
ومع ذلك، ليس فقدان الأرواح فقط هو ما يمثل مشكلة عند الحديث عن تأثير الزلازل الاجتماعي، بل يُضاف لها أيضاً حقيقة أن العديد من المنازل والبنية التحتية تتعرض عادة لأضرار بالغة أو تدمير كامل.
كذلك بسبب الزلازل يفقد الناس ممتلكاتهم ويصبحون بلا مأوى. فمنذ عام 1900، تسببت الزلازل في تشريد أكثر من 65 مليون شخص. بالطبع، هذا الرقم آخذ في الازدياد بسبب النمو العام للسكان في جميع أنحاء العالم.
هناك مشكلة اجتماعية أخرى تسببها الزلازل وهي اختلال الموارد الحيوية، مثل فقدان مصادر المياه النظيفة؛ حيث يمكن أن يؤدي الضرر الذي يلحق بأنابيب المياه إلى تلوث المياه وحتى تلوث المناطق والمدن بتسريبات الغاز.
ومع ذلك، هذه ليست سوى عواقب قصيرة المدى بشكل محدود. فهناك الجانب الصحي الذي يكون طويل المدى بالنسبة للمتضررين من الزلازل والكوارث الطبيعية. مثل انخفاض أو حتى انعدام حصول المتضررين على التأمين الصحي والرعاية طويلة الأجل بعد تشريدهم.
فقدان القوى العاملة والناتج المحلي
تؤثر العواقب الاجتماعية كذلك، مثل فقدان حياة الناس والإصابات الخطيرة المترتبة على الزلازل والكوارث الطبيعية سلباً على اقتصاد المنطقة المتأثرة.
وبحسب تقرير لموقع BBC حول تداعيات وتأثير الزلازل والكوارث الطبيعية الضخمة على الدول، يشمل تكاليف العلاج ونفقات التأمين وحتى انخفاض عدد السكان العاملين في المناطق المنكوبة؛ إذ بشكل عام عادة ما تكون هناك حاجة إلى قوة عاملة كبيرة لاستعادة البنية التحتية والخدمات بعد الدمار المصاحب للزلازل.
كما يرتبط التأثير الاجتماعي والاقتصادي للزلازل بانخفاض الناتج المحلي الإجمالي للفرد؛ مما يؤدي إلى انخفاض عام في نوعية الحياة في الدولة التي تواجه كوارث بهذا الحجم.
هذه التداعيات تؤدي لانخفاض جودة الحياة العامة، علاوة على التأثير البيئي للتلوث الذي يمكن أن يسببه الزلزال، ما يؤدي إلى زيادة مخاطر الإصابة بالأمراض بين السكان، ويهدد صحة الناس العامة.
الأثر الاقتصادي للزلازل وتكاليف إعادة الإعمار
يرتبط تأثير الزلازل والكوارث الطبيعية الاقتصادي ارتباطاً وثيقاً بالتأثير الاجتماعي لها على الدولة والمجتمع، والذي يمكن أن يكون قصيراً أو طويل الأجل.
بالطبع، يعتمد التأثير الاقتصادي على المستوى المالي للبلد وكذلك حالة بنيتها التحتية؛ ومع ذلك، فإن الآثار قصيرة المدى للزلازل تشمل عادة تدمير الأعمال والصناعات، فضلاً عن البنية التحتية اللازمة للحياة المدنية، وفقاً لتقرير للأمم المتحدة United Nations.
علاوة على ذلك، كثيراً ما تتزامن الكوارث الطبيعية مع تفشّي الجرائم وعمليات النهب والسرقة والاحتيال، خاصة إذا صاحبت هذه الكوارث جمعيات ومساعي جمع التبرعات التي قد لا تصل أبداً للمحتاجين بدون اختلاس.
بالإضافة إلى ذلك، تتكبد الدولة واقتصادها خسائر بسبب تدمير الطرق والسكك الحديدية والمنشآت العامة، بالإضافة إلى العناصر الأخرى المتعلقة بالنقل والمواصلات، وهو بدوره ما يؤثر سلباً على الاقتصاد؛ لأنها تجعل الأنشطة اليومية للمواطنين والعلاقات التجارية وحركة الاقتصاد في المناطق المتضررة أكثر تعقيداً وصعوبة.
ويشير موقع Quantectum للاقتصاد إلى أنه بالإضافة إلى العواقب قصيرة المدى، هناك أيضاً التأثير الاقتصادي طويل الأجل الذي تسببه الزلازل بشكل طبيعي.
ويشمل التأثير الاقتصادي طويل المدى عادة ضرورة إعادة البناء المكلفة للبنية التحتية وشبكات النقل والطاقة والمنازل والطرق.
علاوة على أن ذلك يستغرق وقتاً طويلاً وتكاليف باهظة، تتضمن عمليات إعادة الإعمار استثمارات ضخمة في المناطق المتضررة وتكاليف فيما يتعلق بإزالة الدمار والأنقاض وعمليات الإنقاذ لتدارك تداعيات وتأثير الزلازل على المنطاق المنكوبة.
لذلك، تنخفض نفقات التنمية الاقتصادية في الدولة بشكل عام تزامناً مع إعلان حالات الطوارئ للاستجابة لتداعيات الكوارث الطبيعية، مما يؤدي إلى خسائر في الدخل العام للدولة.
ووفقاً للبحث الذي أجراه مركز الأبحاث حول وبائيات الكوارث(CRED) الأمريكي، بلغت الخسارة الاقتصادية المرتبطة مباشرة بالزلازل 661 مليار دولار على الأقل بين عامَي 1998 و2017.
وعلى الرغم من أنه قد لا يكون واضحاً مثل العواقب الاجتماعية لتأثير الزلازل، وليس مستهلكاً للتكلفة مثل التأثير الاقتصادي، فإن العواقب البيئية للزلازل يمكن أن تكون كبيرة أيضاً.
فمن وجهة نظر بيئية، يمكن للزلازل المتوسطة إلى القوية أن تدمر كلاً من المناظر الطبيعية والمبنية، وتزيد من خطر انفجار أنابيب الغاز وبالتالي الحرائق وتلوث مناطق بشكل يهدد حياة البشر لاحقاً.