الأنباط -
فرح موسى
يعد المنسف من الأطباق التقليدية في الأردن، وهو من أكثر الأطباق الرئيسة تفضيلاً في العزائم والولائم، والمنسف ليس مجرد وصفة طعام، بل يمثل إرثاً كاملاً للشعب الأردني، وجزأ مهما من المطبخ الأردني.
وأصبح المنسف علامة تجارية مسجلة باسم الأردن، ولم يعد من الضروري أن تقول "منسف أردني"، لأنك عندما تقول منسف فمن دون شك سيكون أردنيا، وقد أدرجت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو"، طبق المنسف الأردني على لائحة التراث العالمي غير المادية، كغيره من الاكلات المشهورة في دول العالم.
وللمنسف علاقة بالتراث والعادات الأردنية وما يتداخل معهما من قيم إيجابية يتم تجاهلها وتجاوزها أحيانا عند تناوله في بعض وسائل الاعلام وخاصة المتخصصة بالطعام، التي يشرف عليها من لا يعرفون الخصوصية الأردنية وشوهوا كثيرا من خصوصية المنسف، ومما يؤسف ان من يريد ان يشتهر او يجلب مشاهدات يضيف او يحذف بعض الأمور المتعلقة بخصوصية اكلة المنسف التي لها أصول تبدا من طريقة اعداده ووصولا لسكبه وطريقة اكله. ومن الأمور التي يشددون عليها في برامجهم ان المنسف لا يؤكل الا بثلاثة اصابع ويجب وضع اليد خلف الظهر، ووضع رأس الخروف في الوسط ولايجوز للضيف أن يأكل منه، وغيرها من اللمسات التي شوهت خصوصية المنسف .
وتقول ام مراد ( 75) عاما ان المنسف يؤكل باليد وليس بالملاعق، وبخمسة أصابع وليس بثلاثة، ويمكن عدم وضع اليد خلف الظهر، مبينة ان هذه العادة جاءت لإفساح المجال لأكبر عدد ممكن للوقوف امام منسف واحد، اذ كانت الاعداد كثيرة والأماكن ضيقة قبل انتشار المطاعم والصيوانات والصالات الى تقام فيها الاعراس والحفلات التي تقدم المناسف.
وتذكر ان رأس الذبيحة يوضع على المنسف تكريما واكبارا للضيف، ويجوز للضيف والمعزب الاكل منه حيث يوزع المعزب من لحم الراس والمخ واللسان على الضيف والجالسين، ويضع هذه اللحوم على المنسف ويقول لهم انه لا يقبل ان يعود أي جزء منه ويجب تناول لحم الراس كاملا.
والمنسف الأردني المعروف منذ آلاف من السنين، أوجده الملك الأردني ميشع لمخالفة اليهود في طقوسهم، ولأنهم كانوا يرفضون طبخ اللحم باللبن، فأمر بإعداد اللحم وفق الطريقة المخالفة لليهود، وهذه الطريقة هي من مبادئ إعداد المنسف الأردني الأصيل.
ويشير أبو مراد (80) عاما الى طريقة أخرى لطبخ المنسف وهي تنسيف القمح المجروش(غربلته)، وتنقيته من الصرار ( الحجارة الصغيرة) والقش، وبعض العوالق، ووضعه في صحن كبير مصنوع من النحاس، أو من الخشب، وترتيب اللحم المطبوخ على القمح المجروش، (وتشريبه) باللبن المغلي وهذا هو المنسف الأردني الحقيقي.
وفي هذه الأيام اصبح المنسف يقدم وفق طبيعة المنطقة، فمثلاً اهل الجنوب ما زالوا يضعون القمح الجريش بدل الرز، أو يقسمون صحن المنسف الى طبقتين، واحدة من الرز والثانية للجريش، وتشريبه بالسمن البلدي قبل وضع اللحم الضأن فوق الرز أو الجريش. وفي لواء الرمثا يضعون القمح الجريش، ويزين المنسف بالكباب، ووضع قطع لحم كبيرة للدلالة على الكرم، والمبالغة في احترام الضيف. أما في إربد، والسلط، وعمان وبقية مناطق الوسط، والشمال، فالمنسف التقليدي، المكون من الرز، واللحم الضأن، واللبن (الجميد) أو الشنينة، أو اللبن العادي، وإضافة السمن البلدي وفق الطلب والرغبة، وليس من وضع رأس الخروف على المنسف. وفي البادية يكثر استعمال منسف الهفيت، الذي يتكون من اللحم المسلوق، والخبز الشراك أو المفتوت داخل الصحن، وإضافة مرقة اللحم على اللحم والخبز، وتناوله بالأيدي.
ويقول علي حسين (71) عاما من اربد: مع تطور الحياة العصرية اصبح المنسف يعده طهاة متخصصون ، وأخذ الناس يستغنون شيئا فشيئا عن إعداد المناسف في البيوت، ومع تطور صناعة البلاستيك أصبح المنسف يُقدم في صحون من البلاستيك كوجبة منفردة لكل شخص، ويوضع فيها الأرز وعليه قطع اللحم، أمّا مرق اللحم المطبوخ باللبن فيقدم في كاسات من البلاستيك، ويتناول المدعوون الطعام أيضا في ملاعق من البلاستيك.
وآخر موضة لتناول المنسف هي بيع المنسف بالكاس، مشيرا الى ان مثل هذا التغيير في تناول المنسف وطبخه "استهزاء" وتدمير لجزء من الثقافة الأردنية المتفردة عن غيرها من الثقافات العربية في هذا المجال، داعيا للتصدي لمحاولات اليهود طمس المنسف من الثقافة العالمية لكرههم له.