الأنباط -
بقلم: أُسَيْد الحوتري
(المعمعة) قصة رحلتين: رحلةٌ إلى الله ورحلةٌ في سبيل الله. أما الرحلة إلى الله فيقوم بها أحمد حين ينطلق نحو مكة ملبيا نداء ربه قاصدا بيته الحرام لأداء العمرة. والرحلة الثانية هي رحلة يوسف والتي هي نضال في سبيل الله، حيث يتمُ إلقاء القبض عليه بعد أن خطط وقاد عمليةً فدائيةً ضد العدو المحتل.
رحلة أحمد إلى بيت الله تسير على خير ما يرام ولكنها تنتهي فجأة بموته ميتة طبيعة، ولكل أجل كتاب. أما رحلة يوسف فتعج بالعجب العجاب. رحلةٌ يُلقى فيها القبض على يوسف، فيتنقل من أيدي مخابرات العدو إلى أيدي شرطته، ومن الشرطة إلى مسارح سجون الاحتلال المليئة بممثلين يحفظون أدوارهم عن ظهر قلب يؤدونها في مسرحيات كتبها المحتل وأخرجها. مسرحيات يُحوّلُ الأسير فيها إلى بطل القصة، ولكنه لا يخطر بباله أنه في المشهد الأخير سيكون الضحية التي تقع في الفخ وتعترف على نفسها بكل ما قامت به، بل وقد يعترف أيضا على كل من مد له يد العون.
رواية (المعمعة) تروي قصصا متعددة لمجموعة من الأسرى ولما تعرضوا له من تعذيب وتضليل وخداع من قبل المحتل وكلُّ ذلك في سبيل جمع المعلومات وتثبيت التهم. بالإضافة إلى قصة يوسف وأحمد، تروي (المعمعة) قصصَ كلٍ من مراد وحسن والشيخ أبو جابر والشيخ أبو جبير وكل ما تعرضوا له من خداع و احتيال في سجون الاحتلال.
(المعمعة) رواية تستحق أن تكون مقررا دراسيا على كل مقاوم، فهي رواية تعليمية، وهي (دليل الأسير)، وكتاب لا غنى عنه لكل من قُدّر له أن يقع في الأسر. (المعمعة) تعلّم الأسير متى يتكلم، ومتى يصمت، ومتى يتخذ بين ذلك سبيلا. (المعمعمة) ترشد الأسير إلى الطرق والوسائل التي يحافظ بها على جسده، وعقله، وروحه. (المعمعة) تثقف الأسير وتعرّفه بحقوقه القانونية: متى يمضي على الاعتراف ومتى يرفض، وتحذره من التبصيم على ورقة الاعتراف عند أخذ الصور وأخذ بصماته. كما تعلم الأسير متى يمكن أن يتراجع عن اعترافاته وكيف يفعل ذلك بشكل قانوني. (المعمعة) تحذر الأسير وتلفت انتباهه إلى وكر العصافير القابع في سجون الاحتلال، وإلى الحيل التي يقوم بها السجان لينتزع الاعترافات من الأسير على نفسه وعلى إخوانه. (المعمعة) تؤكد للأسير أن الحبس خلوة مع الله، وأن الحرية سياحة، وأن القتل شهادة في سبيل الله.
وفي نهاية الرواية يسير يوسف في ساحة السجن مفضلا العزلة والخلوة، ويسأل الله إن مات أن يدفن واقفا ولسان حاله يقول:
إن عشت فعش حرا
أو مت كالأشجار وقوفا
وقوفا وقوفا وقوفا كالأشجار.
أما الروائي فهو الأسير عمار محمود سلمان عابدمن مواليد ( 17 يوليو 1984) وهو من سكان دير البلح وسط قطاع غزة. وقد حصل على درجة البكالوريوس في التاريخ من جامعة الأقصى بغزة. وهو معتقل في سجن نفحة الصحراوي منذ (21 نوفمبر 2002)، ولقد وجهت إليه تهمة الانتماء والعضوية في سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، والمشاركة في عمليات المقاومة، وحكم عليه بـ(20) عاما وستة شهور. ويذكر أن (المعمعة) صدرت عن مؤسسة مهجة القدس عام 2021.